“المحكور ماكيبكيش”يعري مجتمع الهامش ويفضح المثلية..
فيلم صادم عن مجتمع الفقر والهامش والحرمان العاطفي
بسمة نسائية/ سينما
عزيزة حلاق/ صور: محمد بلميلود
“المحكور ما كيبكيش”، هو العمل السينمائي الذي شارك به المخرج المغربي فيصل بوليفة في الدورة 23 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وحصد أربع جوائز ذات قيمة مهمة (لجنة التحكيم والسيناريو وجائزة اول دور نسائي لبطلة الفيلم عائشة التباع).
ينطلق فيلم “المحكور ماكيبكيش” بمشهد بدا ملتبسا لشاب وسيدة، إذ يظهرا شبه عاريين يفترشان الأرض في جانب صغير لبيت بئيس، قبل أن يتبين لاحقا أنها والدته التي أنجبته من علاقة اغتصاب أو علاقة خارج الزواج.
بطلة الفيلم عائشة التباع التي جسدت شخصية فاطمة الزهراء في الفيلم (الأم)، صرحت خلال مناقشة الفيلم بأنها عاشت في منزل واحد مع البطل الشاب عبد الله الحجوجي قبل الشروع في تصوير الفيلم، لتحقيق التقارب والتوافق بينهما، وقالت بأنها شعرت فعلا بعاطفة أمومة نحوه. مما انعكس بصدق لافت على أداءهما.
الفيلم تعرض إلى هجوم ونقد لاذع من قبل الكثيرين، الذين رأوا فيه ترويجا للمثلية الجنسية والدعارة، وانصبت آراء بعض الحاضرين للمناقشة إلى أن الفيلم حاول الترويج للمثلية وإظهار تسهليها للأجانب بالمغرب، وانتقدوا أيضا المبالغة في العلاقة الحميمية بين الأم والابن، وبأنه لا يعكس الواقع المغربي، وأنه فرصة للتسويق السلبي في الخارج، لواقع بعيد عن المجتمع المغربي المحافظ.
لكن من شاهد الفيلم برؤية سينمائية بعيدة عن الكليشيات الجاهزة، رأوا أنه عمل قوي نقل صورة صادمة وحية عن مجتمع الفقر والهامش والحرمان العاطفي، لا سيما فيما يتعلق بمعاناة الأم العازبة، واستغلال الفئات الهشة جنسيا.
وبعكس ما روج له البعض، بأن الفيلم يشجع على المثلية، فإن الصورة التي طرحت بها القضية كون الشاب تعرض للاستغلال الجنسي من قبل مشغله الفرنسي، هي إدانة للمثلية وفضح للظروف القاسية التي يعيشها مجتمع الهامش. واللقطة موضوع الهجوم والنقد، لم تكن مجانية وكان توظيفها في السياق الدرامي للفيلم ولم يتم إقحامها. إذ لم تستفزنا بقدر ما جعلتنا نتعاطف مع الشاب ومعاناته في مواجهة مجتمع ينبذه وواقع مر يحاصره بحرمان مادي وعاطفي. ليجد نفسه مضطرا لتقديم خدمات جنسية لمواطن فرنسي مقابل أجر مادي تحت غطاء أجير برياضه.
على مدى مدة الفيلم، عاشت (الأم وابنها) رحلة مؤلمة بحثا عن مأوى آمن، نقلها المخرج في صور وهما يجوبان شوارع المدينة وينتقلان من مكان لمكان محاولين البحث عن سقف آمن يأويهما من مجتمع يرفضهما.
حصول الفيلم على أربعة جوائز، هو دليل على نجاحه ونجاح المخرج في طرح قضية مجتمعية معقدة وواقع صادم، بجرأة كبيرة في تصوير الواقع، برؤية سينمائية تنقل واقع أبطاله كما هو بدون روتوش أو مبالغة.
ولعل من نقط قوة فيلم ” المحكور ما كي يبكيش” هو إعطاء البطولة لممثلين من خارج المجال وتكوينهم لتجسيد أدوارهم وقد تفوقوا في ذلك، خاصة الأم “عائشة التباع” التي منحتها لجنة التحكيم جائزة أحسن دور نسائي لهذه الدورة.
الفيلم يعكس ما عاشه المخرج في طفولته
في جلسة المناقشة التي أعقبت عرض الفيلم، والتي غاب عنها المخرج فيصل بوليفة، وتولى مهمة الإجابة عن أسئلة القاعة، منتج الفيلم كريم الدباغ الذي قال بأن الفيلم يعكس ما عاشه المخرج في طفولته مع والدته وخلال مسار حياته، حيث يُفكك فيصل بوليفة سلسلة عُقد شعر بها وظلت عالقة في داخله بعين سينمائية..
وأشاد الدباغ بموهبة المخرج الذي يجتمع به لثاني مرة بعد اشتغالهما في فيلم “اللعنة”.
“المحكور ما كي بكيش” فيلم يستحق المشاهدة التأملية، فهو يتعرض للعديد من التابوهات مثل الدعارة والمثلية الجنسية، والظروف التي تدفع لذلك في مجتمع الهامش. وحتى طرحه وكسره للتابوهات جاء بوعي و برؤية سينمائية مختلفة.
الفيلم حصل أيضا على جائزة السيناريو في هذه الدورة، فقد كتب بأسلوب سلس واقعي وبكثير من الحذر. وقدم شخصية (الأم) فاطمة الزهراء، كامرأة عصرية طموحة كانت تعيش في وسط محافظ في احدى القرى، لكنها رفضته وتمردت وغادرته. وظهرت وهي تعيش حياة قاسية مع ابنها الوحيد سليم، تنتقل من مدينة إلى أخرى بحثا عن مكان آمن.
يصبح سليم شابا يافعا وتتقدم السنوات بالأم، لا يعرف سليم عن أمه أي شيء ولا يعرف أباه، ويصدق رواية أمه أنها كافحت لتربيته، ويبدو مرتبطا بها جدا وعلاقتهما حميمية حيث يسمح لها أن تغسل جسده وينام بالقرب منها أو في حضنها.
تخفي الأم مهنتها الحقيقية (عاملة جنس)، وأن سليم غير معروف الأب..
شخصية ثالثة سيكون لها دور في مصالحة الأم مع الحياة التي تعتقد أنها ابتسمت لها أخيرا، حين تتعرف على مصطفى ويخبرها نيته الزواج بها. تبدو الأم سعيدة وهي تتنقل بين محلات الأثاث تحلم بتأثيت بيت الزوجية، لكنها ستصدم حين يخبرها سليم (ابنها) أنه فضحها وأخبر مصطفى بكذبها وبحقيقة ماضيها المخجل وبأن لا نسب له.
اختار المخرج نهاية مفتوحة لفيلمه في مشهد الأم تنتظر خروج سليم من السجن، تبتسم وتصفق لموكب عرس تقليدي وتندمج وسط نساءه حين يزج بها للمشاركة في الرقص. تبدو كطفلة فرحة وكأن المجتمع تصالح معها..
يخرج سليم من السجن، تبتسم الأم لرؤيته، ينظر إليها، ويختفي بعيدا، وكأنه اختار طريقا مختلفا عنها مفتوح على كل التأويلات…