صرخة للكشف عن مصير الممتلكات الفنية للبرلمان
يطلقها عبد الحي بنيس رئيس المركز المغربي لحفظ ذاكرة البرلمان

من المهم جدا أن يهتدي مجلس النواب أخيرا إلى “حماية الأعمال الفنية التشكيلية التي يتوفر عليها مجلس النواب والمحافظة على مكوناتها وجودتها”، وهو ما ترجمه في توقيع رئيسه الحالي، السيد الحبيب المالكي رئيس الغرفة الأولى للبرلمان مع السيد محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال. وتندرج هذه الاتفاقية – حسب بلاغ مجلس النواب – أيضا “في ظل انفتاح المؤسسة الدستورية على المحيط الفني المغربي في مجال الفنون التشكيلية والبصرية والدور الذي تلعبه في الرقي بالوعي البصري، والذوق العام، وكذا القيمة الجمالية والرمزية التي تضفيها على مؤسسة مجلس النواب”.
وإذا كان من المهم الاتفاق بين المجلس والوزارة، على أنه سيتم مصاحبة مجلس النواب في الإشراف على تدبير مجموعته الفنية وتوفير الخبرة التقنية والفنية اللازمة، مع تتبع عمليات الترميم والصيانة وإعداد سينوغرافيا جديدة لتوزيع الأعمال الفنية في الفضاءات الداخلية للمجلس، وفق ما تقتضيه متطلبات العرض الجمالي والملاءمة الضرورية مع مجلس النواب كمؤسسة تشريعية لها وضع اعتباري خاص، فإنه كان من المفيد أيضا ونحن في زمن الترافع على حق المواطن في الحصول على المعلومات أن يتولى المجلس بجرد لأهم هذه الأعمال الفنية والتحف التي يزخر بها المجلس.
صيانة الرصيد الفني والوثائقي للبرلمان رهين بإرادة الكشف عن مصير ممتلكاته خاصة من اللوحات التشكيلية والتحف
ليست الغاية من هذا المقال، الوقوف عند هذه المبادرة الايجابية في عمقها، ولكن إثارة الانتباه الى السياقات التاريخية المرتبطة بتأثيث البرلمان بهذه اللوحات الفنية والتحف النفيسة، منها على الخصوص أنه بعد عملية إصلاح وإعادة هيكلة مقر البرلمان بأمر من المغفور له الحسن الثاني التي عهد بالقيام بها إلى المهندس الفرنسي الشهير “باكار” خلال الفترة الممتدة من 26 ديسمبر 1984 إلى افتتاح دورة أبريل 1985، إذ أصبحت المؤسسة التشريعية تتوفر على أرقى الأثاث، من صالونات وزرابي ولوحات تشكيلية وتحف أثرية، بالإضافة إلى تجهيز وتأثيث مطبخ المجلس بكل ما يحتاجه من كراسي وأواني. لقد نجح المهندس باكار من تأثيث مجلس النواب بنحو مائة لوحة تشكيلية من توقيع أكبر الرسامين المغاربة الذين لهم شهرة عالمية، بمبلغ إجمالي قدره مليونين من الدراهم. فكان من بين هذه اللوحات، لوحة للرسام سعيد حساني بمبلغ 30 ألف درهم، وثلاث لوحات لفريد بلكاهية بمبلغ 46 ألف درهم، وثلاث لوحات للجيلالي الغرباوي بمبلغ 350 ألف درهم، وثلاث لوحات لمصطفى حفيظ بمبلغ 31 ألف درهم، وثلاث لوحات لمحمد المليحي بمبلغ 56 ألف درهم، ولوحتان لحسين طلاب بمبلغ 40 ألف درهم، وثلاث لوحات لعبد اللطيف الزين بمبلغ 110 ألف درهم، ولوحتان للمحجوب أحرضان بمبلغ 35 ألف درهم، ولوحتان لمريم مزيان بمبلغ 67 ألف درهم.كما كانت هناك لوحتان للعربي بلقاضي بمبلغ 32 ألف درهم، ولوحتان للطيب الصديقي بمبلغ 32 ألف درهم، ولوحة لمحمد القادري بمبلغ 50 ألف درهم، ولوحتان لحسن السلاوي بمبلغ 35 ألف درهم، ولوحتان لكريم بناني بمبلغ 35 ألف درهم، وثلاث لوحات لمصطفى السنوسي بمبلغ 46 ألف درهم، ولوحتان لأحمد الغرباوي بمبلغ 19 ألف درهم، ولوحتان لأحمد الشرقاوي بمبلغ 280 ألف درهم، ولوحة لحسن الكلاوي بمبلغ 20 ألف درهم. فأغلب هذه اللوحات التي يعلم الله وحده كم تساوي قيمتها في الوقت الراهن في السوق العالمية، لا يعلم الرأي العام مصيرها الآن وهي مسؤولية تقع على عاتق البرلمان خاصة وانه اتخذ هذه المبادرة الايجابية بتثمين ممتلكاته الفنية التي هي ملكا للمغاربة قاطبة، خاصة وأن العديد من زوار البرلمان الذين خبروا أرجاء المؤسسة التشريعية يلاحظون، استبدالها بلوحات أخرى رخيصة الثمن، باستثناء لوحات المحجوبي أحرضان التي لازالت صامدة وبقيت مثبتة في مكانها لربما خوفا من اكتشاف أمرها بسبب عضوية مبدعها بالبرلمان لمدة طويلة. وإلى جانب تلك اللوحات التشكيلية، كان المهندس “باكار” قد أثث المجلس أيضا بتحف أثرية نادرة، قدرت تكلفتها هي كذلك في تلك الفترة حسب الوثائق بمليونين من دراهم.
ويمكن الوقوف بالصورة والصوت لكل ممتلكات البرلمان وهذه التحف النفيسة خلال هذه الفترة الذهبية في شريط مصور لازال موجودا وتمت المحافظة عليه من الضياع كما وقع للعديد من الوثائق الهامة، مدته “ساعة و18 دقيقة” فضلا ما كان موجودا ب”الفيلا” التابعة لمجلس النواب والتي تم نقل محتوياتها إلي جهة لازالت مجهولة، قبل هدمها لتوسعة مجلس المستشارين، يضاف إلى ذلك الهدايا النفيسة التي كانت تقدمها بعض الوفود الأجنبية للبرلمان بمناسبة زيارتها للمؤسسة التشريعية، والتي اختفت بقدرة قادر من فضاءات عرضها بالبرلمان.
الأمل كل الأمل، يظل قائما أن يكون توقيع هذه الاتفاقية الهامة والتي بإمكانها إعادة الاعتبار لذاكرة المؤسسة التشريعية، مناسبة للقيمين على شؤون مجلس النواب في ظل دستور 2011 الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، للبحث الجدي عن مصير هذه اللوحات التشكيلية والتحف التي كان البرلمان يزخر بها وتثير اندهاش زواره من الشخصيات المغربية والعربية والأجنبية، باعتبار هذه التحف ملكا عاما لكافة المواطنات والمواطنين، يتعين تثمنه، والحفاظ عليه، وجعله ذاكرة حية للبرلمان.