الخادمة والعالمة

بسمة نسائية/ أصواتهن
بقلم: عزيزة حلاق
ونحن طلبة، كنا نتعرف على مشاهير من عالم السياسية والنضال والإبداع، (نساء ورجال)، من خلال إنجازاتهم، والصور التي ينقلها لنا الإعلام عنهم، ننبهر بهم ونواظب على متابعة أعمالهم وقراءة كتبهم ومنجزاتهم، ونتطلع لفرصة اللقاء بهم… لكن، وأقولها صراحة هنا، حين تحدث الصدفة، وإن كان بعد حين، ونلتقي بهم ونتعرف عليهم عن قرب، غالبا ما تكون الخيبة كبيرة.. ونتمنى لو لم يحدث ذلك، حتى نحافظ على تلك الصورة التي رسمناها لهم في مخيالنا، إذ شتان بين ما يقولونه ويكتبونه وبين ما يفعلون.. شتان بين ما يدعون في خطاباتهم وبين سلوكاهم وما يمارسون. فكم من تقدمي وحداثي ظاهريا وعلنيا، اكتشفناه رجعيا في بيته وأسرته، مع زوجته وأبنائه ومحيطه..
وكم من مفكر ومثقف متنور في كتاباته يدعي في خطاباته مناصرة المرأة، تجده رجعي ومتخلف في حياته اليومية العادية ومنحط في سلوكياته وأكبر مسيء للمرأة بالخيانة والتحرش أو حتى التعدد… مثل هذه الشخصيات، تصير حين يفتضح أمرها وتكشف حقيقتها كالبالونات المطاطية المنتفخة هواء ووهما، تفرغ تماما بأبسط ثقب قد يحدث فيها.
الأمر ذاته ينطبق على بعض النساء منهن من يعجبك قولهن في تجمعات الصالونات وفنادق 5 نجوم ويفاجئك فعلهن داخل بيوتهن ومعاملتهن اليومية مع من يعملن تحت امرتهن..
مناسبة هذا الكلام، صدمة عشتها، للأسف، مع شخصية نسائية معروفة جدا، هي عالمة ونابغة في مجال تخصصها، معترف بكفاءتها العلمية والأدبية من قبل أعتى الجامعات الوطنية والدولية. أعترف أنني كنت منبهرة بهذه الشخصية وكنت أرى فيها فخرا لنا كمغربيات. لكن، شاءت الصدف وبحكم المهنة أن ألتقي بها وأدخل بيتها ويا ليتني ما فعلت.
لم نكن بدأنا الحوار بعد، حين أطلت علينا صبية في مشهد أزعجني وأحزنني، طفلة أجزم أن عمرها لا يتجاوز 12 سنة، وإن كانت يداها تشيان بأكثر من سنها، شاختا مبكرا. أّمرت من قبل “سيدتها العالمة”، بوضع وشاح أسود على رأسها، وألبستها وزرة بيضاء طويلة، يظهر من جنباتها بشكل محتشم فستان طويل وسروال أطول.
كانت تنتعل حذاء بلاستيكيا، ودون أن ترفع عينيها نحونا، نزحت حذاءها قبل أن تطأ قدميها الزربية، فيما كنا نحن قد تفضلنا بالجلوس، كما طلبت منا مضيفتنا، مع الحفاظ على أحذيتنا، تقدمت الصبية نحو طاولة توسطت الصالون الفخم، حيث كنا، وضعت صينية الشاي، وأعين سيدة المنزل، تتابع حركاتها بتركيز. رأيت في ملامح وجهها تعابير اختلط فيها الحياء والخجل بالبؤس والخوف والارتباك.
أزعجني هذا المشهد، وانزعجت من نفسي، وأنا اكتم صرخة وودت لو أطلقتها في وجه الأستاذة المحترمة جدا، التي سمحت لنفسها أن تشغل طفلة، هي التي تجدها في المنتديات والصالونات ترافع ضد تشغيل الأطفال وتزويج القاصرات وحمايتهن من الاستغلال.
الصرخة التي كتمتها في بيت العالمة، وأنا أنظر إلى طفلة بريئة سرقت منها طفولتها وألغيت انسانيتها لتتحول إلى روبو يعمل بلا توقف، هي صرخة مجتمع برمته في وجه كل من سولت له نفسه استغلال الأطفال كخدم في البيوت…
فكيف لنا أن نتعافى من هذه الشيزوفرانيا التي تستفحل فينا يوما بعد يوم، وتحفر الهوة أكثر فأكثر ما بين الخطاب والسلوك…؟