“أناطو” فيلم الحب والتعايش

بسمة نسائية/ أصواتهن
عزيزة حلاق/ تطوان
بعد أن تعذر علي سابقا مشاهدة فيلم “أناطو” للمخرجة فاطمة علي بوبكدي، اقتنصت فرصة أتاحتها برمجته ضمن فعاليات الدورة 28 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، واستمعت أمس بمتابعة عرضه بسينما “اسبانيول” بحضور مخرجته والمدير الفني للفيلم الناقد والمخرج عامر الشرقي.
“الفيلم وإن كان قد عرض خارج المسابقة، فقد عرف حضور مكثف لجمهور تابع بشغف قصة “اناطو” وصفق مطولا لهذا العمل الفني، الذي يعتبر أول تجربة سينمائية للمخرجة فاطمة بوبكدي. هذه الأخيرة التي عرفها الجمهور المغربي كمخرجة تلفزيونية، تميزت بالاشتغال على التراث الشفهي وموروث الحكاية الشعبية، والأساطير المحلية، برؤية إبداعية خاصة بها.
وحين تشاهد فيلم “أناطو” تجده امتدادا لأسلوبها في تناول الحكاية الشعبية، حيث نجدها ظلت وفية للاشتغال على كل ما له علاقة بالموروث الثقافي اللامادي، من لباس وأثاث ومعمار ولهجة محلية، وإن كانت القصة هذه المرة قد تناولتها فاطمة ببعد افريقي وبرؤية فنية سينمائية جميلة جدا.
ينطلق الفيلم من فضاء مغلق بأضواء خافتة، وألوان زاهية وأصوات الموسيقى والضحك، فضاء تختلط فيه التجارة بالمتعة الجنسية، تبرم فيه كل أنواع الاتفاقيات، تديره سيدة سينغالية، تحكي قصتها في تماهى وقصة افريقيا التي استغلت أسوأ استغلال وانتهكت حرمتها من قبل المستعمر، وسرق تاريخها ومواردها الطبيعية…
يظهر جانب من زبناء المحل، تجار أجانب ومغاربة. تركز الكاميرا، على واحد منهم (الممثل عبد الله بنسعيد في حديث مع شخص ذي خبرة في المجال)..بنسعيد أو سيدي الطاهر، يعجب بفتاة جميلة سمراء بعيون زرقاء، تداعب أوتار آلاتها الموسيقية بنغمات مؤثرة حزينة، وتغني بصوت شجي، يتابعها …يشتهيها، لكنها عصية فينصحه صاحبه بإبرام عقد زواج عرفي للاستمتاع بها في الحلال. مع قربه منها يسقط في حبها وتغرم هي به، فيقترح عليها مرافقته للمغرب.
تستجيب الفتاة لطلبه، اسمها “أناطو” بطلة الفيلم، هي ثمرة حب وزواج مختلط بين سيدة سنغالية ورجل فرنسي، مات قبل أن ينشر مذكراته عن افريقيا وتاريخها وثرواتها المنهوبة. تسافر “أناطو” وتحمل معها مسودة مذكرات والدها التي ستعمل لاحقا على نشرها بدعم من زوجها المغربي وناشر فرنسي.
تقدم بوبكدي، من خلال بطلة الفيلم (أناطو)، فكرة التعايش والعنصرية، من خلال أسرة الزوج الثري التاجر الفاسي الأصل، وكيف يمكن بالحب ومحبة الآخرين، من تكريس قيم التسامح وقبول الآخر. الآخر هنا هو الزوجة الأولى ووالدتها والخادمة، اللواتي مارسن ضدها مختلف أنواع التمييز والعنف والمكائد، لكنها واجهته باحتضان الابنة وتعاطف الجد معها. (لا بد هنا من فتح قوس للتنويه بالثنائي سعاد خيي وصلاع الدين بنموسى الذين أبدعا وظهرا بشكل جديد في هذا الفيلم ).
تلخص بوبكدي فيلمها بالقول:” إنه يروم الاحتفاء بالطابع التعددي للهوية الإفريقية وإشاعة انتصار قيم التعايش والتسامح في مواجهة العنصرية القائمة على العرق واللون، مضيفة أن الرسالة وراء ذلك هي أننا جميعا نتاج أعراق متعددة، وأن “قوتنا في تنوعنا”.
بقي أن نشير أن فيلم “أناطو” حاز على العديد من الجوائز الوطنية والدولية، من ضمنها الجائزة الكبرى لرئيس الدولة في الدورة الثالثة من المهرجان السينمائي الدولي بدكار “التيرانغا”، وجائزة الشاشة الذهبية (الجائزة الكبرى) للدورة الـ25 لمهرجان شاشات سوداء بالكاميرون، إضافة إلى جائزتين بمهرجان الإسكندرية لسينما البحر الأبيض المتوسط وجائزة التصوير وجائزة أفضل العناصر الفنية. كما توج بالجائزة الكبرى”الجوهرة الزرقاء” لمهرجان السعيدية السينمائي، وجائزة الصوت في المهرجان الوطني للفيلم 2022.
جرى تصوير مشاهد الفيلم، بين المغرب والسنغال (بين مدن أزمور، مراكش، بني ملال، وسان لوي)، من بطولة ميمونة نداي، نيسيا بنغازي، وشيماء بلعسري، وعبد الله بنسعيد، وصلاح الدين بنموسى، وسعاد خويي.
(أناطو) فيلم يستحق المشاهدة والتنويه، فيلم يريح العين والروح (التصوير الصوت والموسيقى ومناظر الطبيعية رائعة) وايقاع هادئ للحوار وللأحداث، عنوانه الكبير دعوة للحب والتعايش…