الدكتورة انتصار حدية: لا أفكر عندما أكتب بكوني امرأة..
أنا طبيبة لكن أسعد وأغتني حين يتفاعل القراء مع كتاباتي..

أجرت الحوار: فوزية التدري
*الطب مهنتي والكتابة شغفي…
* في لقاءات عديدة أنسى أنني طبيبة وأنصهر مع القراء في لحظات ماتعة…
إنها ابنة المغرب، لها نصيب كبير من طاقة اسمها الجميل، انتصار حدية وهي طبيبة من مواليد سنة 1981 بآسفي نشأت ودرست بمدينة الرباط، حيث تخرجت من كلية الطب والصيدلة بالرباط تخصص علم وأمراض الكلى.
تشتغل أيضاً استاذة جامعية بكلية الطب بنفس التخصص بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة. هي أيضا فاعلة جمعوية حيث تشغل منصب كاتبة عامة لجمعية دعم مرضى القصور الكلوي بالجهة الشرقيه وفيديراليه دعم جمعيات القصور الكلوي بالجهة الشرقية.
بدأت انتصار حدية مشوارها الأدبي في سن 17 من عمرها، حيث صدر لها أول مجموعة قصصية باللغة الانجليزية مع دار النشر كامبردج يونيفرسيتي بريس. وفي سنة 2016 صدرت لها أول رواية باللغة الفرنسية تحت عنوان “Si Dieu nous prête Vie” عن دار النشر saint Honoré بباريس وتم إصدارها أيضا عن دار النشر Orient بالدارالبيضاء التي تلقتها الأوساط الثقافية داخل المغرب وخارجه بشكل جيد . ثم صدر لها ديوان شعري باللغة الفرنسية أيضا سنة 2017 بعنوان Au Fil des Songes عن نفس دار النشر الفرنسية هذا الديوان الذي حاز على جائزة أدبية فرنسية سنة 2018. لتعود من جديد نحو كتابة الرواية إذ صدرت لها رواية باللغة الفرنسية أيضا بعنوان “L’inconnue” عن دار النشر سانت اونوري سنة 2019 وتم إصدارها بالدارالبيضاء عن دار النشر Orient التي تمت ترجمتها إلى العربية تحت عنوان “الغريبة” وقد لقيت هي الأخرى تجاوبا كبيرا معها من طرف النقاد والقراء ووسائل الإعلام داخل المغرب وخارجه. أما عن آخر إصدار لها فقد كان أيضا عبارة عن رواية باللغة الفرنسية تحت عنوان “Trahison Pieuse ” عن دار النشر Librinova سنة 2021 وهي رواية تتحدث عن المرأة في المجتمع المغربي شأنها شأن الرواية التي سبقتها وقد لقيت هي أيضا تفاعلا مميزا من طرف النقاد والقراء.
تواصلنا معها وسعدنا بالحوار الذي أجريناه معها:
*قبل أن يكتب الطبيب وصفة دواء لمريضه، ينصت لحكاية فيها آلامه وأوجاعه، فهل هذا عامل قوي دفع ولازال يدفع ببعض الأطباء إلى ترجمة تلك الحكاية إلى نص مكتوب على ورق؟
– نعم، توجد علاقة وطيدة بين الواقع المهني المعيش للطبيب وبين ممارسته لفعل الكتابة. فعندما نتحدث عن الطبيب الأديب، فصدق المعاناة التي يحتك بها داخل أسوار المستشفى، تكون في أحيان كثيرة قاعدة حية للإلهام حيث تمكنه من بناء شخصيات على ورق وسرد وقائع من صلب المجتمع وصميم الواقع. هناك نماذج عديدة لأطباء على مر العصور زاوجوا بين فعل الأدب وممارسة الطب، إذ هما عالمان في نظري لا يتعارضان إذ كل واحد منهما ذو هدف نبيل وجوهرهما هو الاهتمام بالإنسان ودواخله وسبر أغوار النفس البشرية وجرد تفاعلها مع المجتمع الذي تنتمي إليه.
* هل الأمر عبارة عن إرث تركه الطبيب الأول: “ابن سينا” الذي كتب عن الطب والشعر وأشياء أخرى..فتم احترام الإرث ولم يتوقف فعل الكتابة ولن يتوقف؟
-يقولون في المشرق الطبيب الكاتب هو أديب بين الأطباء وطبيب بين الأدباء. وهذا صحيح، فالطب علم وممارسة أداتها المعرفة والتجربة وغايتها درء الداء والحفاظ على الحياة وجودتها، أما الأدب – وأخص بالذكر هنا الرواية كجنس أدبي يستهويني- فهو فن ورقي غايته السمو بالنفس البشرية والارتقاء بها للتساؤل حول مجموعة من القضايا وتوسيع آفاق القارئ وإثرائه وجدانيا ومعرفيا. ويذكر أن الشاعر بابلو نيرودا صرح في مرات عديدة بأن إبداع الطبيب صادق جدا لأن المعاناة البشرية التي ينقلها في نصوصه هي معيشة وغير متخيلة إذ يتلقاها ويعالجها يوميا وبشكل مستمر.
*بصفتك طبيبة كاتبة هل تفضلين اقتران لقبك المهني بلقبك الإبداعي دائما أم ترغبين في بعض الأحيان أن يكون اسمك في اللقاءات الثقافية مجردا من صفة الطبيبة فيتم وصفك بالكاتبة انتصار حدية فقط؟
– بكل صدق لا تهمني الألقاب بقدر ما يهمني اللقاء الثقافي في حد ذاته مع القراء. فحينما ألمس صدق تفاعلهم مع كتاباتي وتأثرهم بشخصياتها أسعد وأغتني. على سبيل المثال التقيت العديد من الرجال والنساء،تأثروا جدا بشخصية ليلى المرأة المكافحة القوية رغم المصاعب في رواية L’inconnu التي ترجمت إلى العربية تحت عنوان “الغريبة ” بالإضافة إلى شخصيات روائية عديدة. لا اخفيكم أنني في لقاءات عديدة أنسى أنني طبيبة وأنصهر مع القراء في لحظات ماتعة تدور فيها نقاشات عميقة. بصراحة ما يروقني في هذه اللقاءات هو انتقاد النقاد والقراء لكتاباتي والاستماع لانطباعاتهم حول أحداث عمل روائي أو حول شخصياته. ويحدث أن يحتد النقاش حول كتاباتي لدرجة التعارض والاختلاف الأمر الذي يخلق لدي متعة وحوافز حقيقية للمضي قدما في مجال الكتابة والإبداع.
*كونك امرأة دكتورة وكاتبة هل ترين معي أن عامل الانوثة يضيف لشغفك بالكتابة الكثير أم يعيق قليلا هذا الشغف؟
-لا أفكر عندما أكتب بكوني امرأة، لا أعتقد بأن الأنوثة تعيق شغف الإبداع، بل بالعكس فأنا موقنة بأن المرأة بعاطفتها وأحاسيسها الأنثوية مؤهلة بقوة للإبداع في مجالات عديدة. ما يعيق هذا الشغف في حقيقة الأمر هو حرمانها من حقها في التعليم والدراسة. فالمرأة كلما استفادت من العلم والثقافة، كان بإمكانها الإبداع على مستويات عدة. فقلة نسبة النساء في الحقل الثقافي الوطني عموما وفي عدة مجتمعات هو في حد ذاته مؤشر على إشكالية ولوج الفتيات للدراسة واستفادتهن من هذا الحق الأساسي. وطبعا يترتب عن هذا الوضع ضيق الأفق ومشاكل وآفات مجتمعية عديدة تطرقت لبعضها في أعمالي الروائية.
تبدو لي روايتك الأولى Si Dieu nous prête Vie *مادة خصبة تصلح لأن تشكل مادة سينمائية أو درامية جميلة وقيمة نظرا لقيمتها الإنسانية والتوعوية في وضع مريض القصور الكلوي في دائرة الضوء. فالحديث عن مشاكله وعن معاناته وعن آماله وأحلامه بشكل أدبي/فني لهو أمر مكمل قوي للعمل العلمي بل يتفوق عليه في الانتشار والتعبئة الجماهيرية لأن عشاق الأعمال الفنية كثر فهي تصل إلى قلوب الناس وتؤثر في تفكيرهم. هل سبق لمخرج أن عرض عليك الأمر؟
– أنا أؤمن بأهمية الصورة في نقل حرارة المشاعر وجوهر الرسائل التي يروم عمل مكتوب إيصالها إلى الجهات المعنية. ورؤية روايتي تتحول إلى عمل درامي أو سينمائي أمر سيسعدني لسببين، أولا لأن الرسالة التي أود تبليغها من العمل هي أن ينتبه المجتمع المغربي مواطنين وأطر مسؤولة إلى وضعية مرضى الفشل الكلوي أكثر وإلى أهمية زراعة الأعضاء والتأكيد على أنها بادرة إنسانية عالية القيمة ففيها إنقاذ لأرواح عديدة وفرصة لحياة أفضل لمريض الفشل الكلوي. أما السبب الثاني فيتعلق بمتعتي ككاتبة ترى عملا لها يقرأ ويترجم إلى صور ناطقة تصل إلى العديد من المشاهدين الشيء الذي يحفزني على العطاء أكثر في مجال الكتابة الروائية. لهذا فأنا أرحب بأي عرض جاد يبغي استغلال الرواية كمادة سينمائية أو درامية.
*كتبت باللغة الانجليزية أولى أعمالك الأدبية، ثم انتقلت للكتابة باللغة الفرنسية، هل هناك مجال للكتابة باللغة العربية التي تجيدين التعبير بها يوما ما؟ هل يحدث أن تكتبي بلغة أجنبية وأنت تفكرين بلغتك الأم العربية؟ حدثينا بوضوح عن قيمة امتلاك الكتابة بلغات أجنبية مع الإلمام الجيد باللغة العربية؟
-عندما أكتب بالفرنسية أفكر بالفرنسية. وضع اللغة الفرنسية في المغرب هو وضع خاص. فهي لا تعتبر لغة أجنبية. نتعلمها في الصغر، نراها ونسمعها في كل مكان ممزوجة بلغتنا الدارجة بكثير من الكلمات والعبارات. نتقنها جدا و بالتالي ففي رأيي الكتابة بالفرنسية بالنسبة للكتاب المغاربة لا تعتبر كتابة بلغة اجنبية فهي جزء من ثقافتنا المبنية على الانفتاح بحكم خصوصياتنا الجغرافية و التاريخية. بالنسبة للكتابة باللغة العربية فذلك غير مستبعد وكل شيء يحدث في الوقت المناسب.
*هناك أطباء يكتبون أدبا وأنت واحدة منهم فهل هناك أطباء يقرأون لك؟ أم أن قراءك كلهم من خارج المجال؟
-أنا أعتبر نفسي محظوظة لأنني أكتب وأجد من يقرأ لي من داخل وسطي المهني وخارجه. إذ يقرأ لي زملائي الأطباء داخل المغرب وخارجه ويتفاعلون مع كتاباتي ومنشوراتي ويفخرون بموهبتي الأدبية وهم دائمي الدعم والتشجيع لي على المضي قدما في هذا المجال. ما يسعدني أكثر أنني أحظى باهتمام شريحة مهمة وعريضة من طلبتي داخل كلية الطب، إذ يقرأون لي ويعتبرونني قدوة لهم. يستلهمون من مساري الأدبي العزيمة في دخول باب الإبداع والكتابة إذ يحدث أن يعرضون علي من حين لآخر كتاباتهم لإعطائهم رأيي، الأمر الذي يسرني واعتبره إيجابي جدا.
*علمنا مؤخرا أنه سيصدر لك مؤلف علمي بعيد كل البعد عن كتابة الأدب. حدثينا قليلا عن هذا العمل وعن قيمته داخل الوسط الصحي بالمغرب؟
قريبا سيصدر لي كتاب علمي عن دار النشر السويسرية Peter Lang -التي استقبلته بشكل جيد. المؤلف هو عبارة عن عمل اشتغلت عليه مدة طويلة في السنين الأخيرة حيث كان موضوع رسالة لنيل شهادة الدكتوراه الوطنية، إذ اشتغلت على موضوع المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات الصحية في القارة الأفريقية من ناحية الأمراض المزمنة مع تقديم نموذج علاج الفشل الكلوي المزمن لأنه من الأمراض المزمنة المكلفة للمريض والمؤسسات الصحية. هذه الدراسة خصصتها لعشر دول إفريقية تمثل المناطق الخمسة بالقارة الإفريقية وهي عبارة عن بحث قام على أساس أسئلة طرحتها على المرضى والأطباء لقياس جودة المسؤولية الاجتماعية ووضع الأصابع على مكامن الخلل في المؤسسات مع التركيز على طلب اقتراحات الأطباء بخصوص تحسين هذه المسؤولية الاجتماعية حتى ينعم الطبيب بالاشتغال في وضع جيد وينعم المريض بخدمات استشفائية مرضية. أتمنى أن يروق هذا العمل المسؤولين بالقطاع الصحي ببلدنا بعد تقديمه لهم للاطلاع على الدراسة حتى يحدث الهدف المرجو من وراء تأليفه لا سيما وأن مهنة الطب مبنية على أساس تحسين جودة الحياة للمرضى ودفع الداء عنهم.
*في كلمة ختامية لهذا الحوار ما هي نصيحتك للمرأة المغربية؟
-التحلي بالأخلاق الفاضلة، العمل الجاد والمثابرة، بالإضافة إلى الثقة بالنفس، هذه هي العوامل القادرة على دفع أي امرأة وأخص بالذكر المرأة المغربية على المضي في طريق النجاح بسلام.