“زمن طوطو” و”جيل الضباع”

عزيزة حلاق
“زمن طوطو”، زمن يؤسس لكارثة جيل بأكمله، جيل يدين بدين “طوطو” ومن معه، هو لسان حاله، يصفق له، يهتف باسمه، يمجده، “طوطو الرجولة”..
هذا هو “زمن طوطو” الذي تنبأ به المفكر المغربي محمد جسوس رحمة الله عليه، حين أطلق صرخته المدوية في وجه مهندسي السياسة العامة إزاء الشباب، أطلقها ذات عهد، في وجه من أرادوا خلق جيل جديد، ليس له حق الحد الأدنى من الوعي بحقوقه وواجباته جيل سماه ب “جيل الضباع”.
قال الراحل جسوس وقتها: “إن مستقبل المعارك التي ننادي بها هو مستقبل الشباب، وبالتالي مآلها هو ما يملكه هذا الشباب من إمكانات ومؤهلات على ضمان انفتاحه وازدهاره، أكثر ما يمكن، وفي هذه الحالة، يمكن لنا أن نطمئن أنفسنا على مصير معاركنا الكبرى من أجل مجتمع ديموقراطي متحرر، أما إذا حدث عكس ذلك، إذا كان شباب هذا البلد مهمشين، مقموعين، مكبوحين، مكبوتين، مطاردين في مختلف مرافق الحياة، فيمكننا من الآن أن نصلي صلاة الجنازة على هذه البلاد وعلى مستقبلها”.
لقد أدرك المفكر الدكتور المهدي المنجرة، مبكرا أهمية الاستثمار في البشر قبل الحجر. ولعل الجميع يستحضر قولته الشهيرة عن سور الصين العظيم، حين قال:”
عندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان، بنوا سور الصين العظيم واعتقدوا بأنه لا يوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن … خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات.
وفي كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية في حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه ..! بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب. لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس.
مقولة المنجرة تحيلنا إلى قولة أحد المستشرقين:”
إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك ثلاث وسائل: هدم الأسرة وهدم التعليم واسقاط القدوات والمرجعيات..
أليس هذا ما نجحوا فيه؟ هدمت الأسرة وهدم التعليم وانهارت القيم والقدوات والمرجعيات..
وماذا كانت النتيجة؟ أننا اليوم في ذيل قائمة التنمية البشرية عالميا وخارج قائمة التصنيف العشر لأحسن تعليم بأفريقيا..( أويلي ..بافريقيا)…
قيل ما العمل؟ قيل إصلاح التعليم أولا وتوفير مقعد في المدرسة للجميع.
فكانت برامج للإصلاح، تلتها برامج لإصلاح الإصلاح…شكلت لجن وصرفت ميزانيات. وعقدت جلسات …وهدرت الأموال ….ولا شيء تغير…ولم يصلح الإصلاح….
وفي مشهد لازلت أحتفظ بتفاصيله إلى اليوم، تجرأ رجل بالبرلمان وطالب بالرفع من جودة التعليم وإصلاحه، والزيادة في الميزانية المرصودة لقطاع التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي… وكان المطلب تخصيص 4 في المائة من النفقات والمعدات المختلفة لدعم قطاع التعليم..
تحدث عمر بلافريج وترافع أمام نواب الأمة ودافع عن مطلب الشعب.. تم سكت…سكتت القاعة…وقال رئيس الجلسة:” لنمر للتصويت…
وكانت الضربة المؤلمة، ليست بتصويت الأغلبية وبالإجماع ضد هذا المطلب وصافي، بل كان المؤلم والمثير للغضب، اللقطة التي وقف فيها السادة النواب والنائبات، أمام كاميرات الإعلام وفي بث مباشر، للتصفيق بحرارة على النتيجة، سعداء بهذا الفوز العظيم. وكأنهم حققوا نصرا مبينا.. والحال أنهم نجحوا أي نعم، نجحوا في خلق جيل جديد من “الضباع” في زمن “طوطو”.
أبعد هذا الكلام….كلام…