انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

روتيني اليومي: قبل الحذف..انحدار بدون مكابح..

لا تجعلوا من عاهات اجتماعية وتافهين مشاهير ونجوم

” إن العالم لن يفنى بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف بل الابتذال و الإفراط في التفاهة سيحول العالم إلى نكتة سخيفة”

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق

“انتوما اللي جبتوا لينا عاهات اجتماعية ورديتوهم نجوم”، “هذا جزء من مسؤوليتكم أنتم كإعلام حر”..

جملة قالها مرة بدون لغة خشب، الفنان نعمان لحلو في حواره مع الإعلامي رضوان الرمضاني، لخصت واقع التدني الإعلامي الذي نعيشه اليوم والذي جعل من أناس تافهين وسذج يرتقون إلى رتبة “مؤثرين”، بل الخطير أنهم أصبحوا قدوة للشباب والمراهقين، يستضيفهم الإعلام و يلمع تفاهتهم وشهرتهم و”نجوميتهم”.

فحين يتخصص برنامج ليلي يبث عبر “قناة حرة” شهيرة، عبر الويب، في استضافة “أناس” أغلبهم عاهرات و مثليين أو (نص/ نص)، ومخلوقات تقول عن نفسها فضائية وكائنات تافهة من من وصفهم الفنان لحلو ب”عاهات اجتماعية”، لمدة 5 ساعات كاملة وأكثر أحيانا، يعرضون خلال هذه المدة الطويلة الطويلة، تفاصيل حياتهم الليلية وتجاربهم الغرامية وعلاقاتهم الحميمية، في عالم العهر والرذيلة، بكلام صادم ومقزز.

يفتخرون بمغامراتهم وب”مؤهلاتهم البارزة منها والخفية” بوقاحة وبكلام سوقي دنيء وبرقص مبتذل…و المحاورة في إطار استفزاز “مواهبهم الفذة” تطلب منهم الحديث بصراحة وبدون لف ولا دوران، تأمرهم بقول الحقيقة للشعب و تزيد:” بغيت نعرف التفاصيل المملة: (احكي ليا ..أشنو قالك أشنو قلت لو..أشنو دار ليك…وشنو درتي لو……وزيد وزيد)..

ومع مرور الوقت “كيسخن الطرح ومعه الراس” ويتحول الحوار إلى صراخ و مواجهة حامية وعراك وتلاسن، وكيبدا التشاير بالاحترام..

الضيفة تصرخ احترميني والمحاورة باغيا الضيفة تحترمها حيث هي اللي جابتها للبرنامج…”الضيفة في مشهد سوريالي كتفقد أعصابها، كتشير عليها بكاس ديال الما… صاحبة البرنامج ترغد وتزبد…وفاصل ونعود..

ومشات الليلة على هاد الحال…وضيوف من هذه الطينة..

أش هاد المستوى وصلنا ليه؟ أش هاد قلة الحيا…واش هادي هي الصحافة التي تمثلنا؟

في التعاليق كثيرون يستنكرون وينددون، لكنهم يتابعون.. وبأعداد كبيرة. والدليل أن البرنامج ناجح بمقياس “التراند والطوندونس” يسجل أرقاما قياسية من اللايكات والمشاهدات. وهو ما يجعل صاحبة البرنامج فخورة بما تقدمه، ولها الحق في ذلك..

مشهد أخر، تطل علينا مراهقة لا يتعدى عمرها 13 سنة، تستضيفها “قنوات حرة”، رفقة والدتها وتقول:” إن قدوتها على اليوتوب هي ندى حاسي”.. وتعترف أنها غادرت مقعد الدراسة و” كتجتهد  باش تطور محتوى فيديوهاتها” اسوة ب “نجتمها حاسي”، هدفها الركوب على موجة “البوز” بالعهر والتعري، لضمان مدخول من “اليوتوب” يسمع لها بتحقيق حلمها في امتلاك منزل وسيارة فاخرة.. والخطير أنها تصرح ببوضوح و بسذاجة وتلقائية، وبمباركة من والدتها، لقنوات حرة ( بألوان ومكروفونات  وهواتف مزكرشة) تتناوب على محاورتها واستضافتها، بأنها مستعدة لفعل أي شيء من أجل الوصول إلى ما وصلت إليه حاسي قدوتها، ولن نشرح ما تعنيه هذه الطفلة ب” أي شيء”..ولا من هي ندى حاسي….الكل يعرفها…

ويأتي ما هو أخطر، روتيني اليومي، كصناعة محتوى مربح، ليتوج الأكثر شهرة على اليوتوب بالمغرب، عبارة على مقاطع فيديو قصيرة، البطلات هنا نساء وفتيات “عاديات و عاريات” يعرضن يومياتهن، خاصة أشغالهن المنزلية من طبخ وغسيل وتنظيف، بطريقة مثيرة للغرائز.. إذ لا يستقيم محتوى صاحبات الروتين اليومي، بدون ” تنظيف الأرضية” أو “الزرابي” أو “تحريك الطنجرة أو تحضير العدس أو الكيكا”، بدون استعراض حركات المؤخرة، وبثياب شفافة تكشف أكثر مما تخفي عن الممتلكات “الصادرة” منها و”المتأخرة”.

هذه الفيديوهات، تحولت  إلى أفلام خليعة مجانية، تتوالد بشكل رهيب، بعد أن أصبحت ملاذا ومصدرا للحصول على مدخول قار من “اليوتوب”، يذر الملايين على متداوليها وأصحابها اللواتي يظهرن للجمهور في مشاهد مبتذلة، “لابسات من غير هدوم”، ويحققن عند كل طلة، أكثر من نصف مليون ” ك”، وما يعنيه ذلك في الصرف نقدا وبالعملة الصعبة.

فالعملية مغرية: عمل سهل بسيط بمقابل مادي ثقيل، لا يتطلب لامؤهلات علمية ولا مهارات حرفية، المطلوب فقط:”الصنطيحة وجبهة كبيرة وصفر حياء وتخراج العينين وما تحشم ما ترمش..”.

أمام هذه المغريات، بعض “الأزواج” هم من يقومون بتصوير زوجاتهم وهن يعرضن أجسادهن للعلن وعلى المباشر، ويجتهدون في تقديمهن بشكل أفضل مما يقوم به كوبل آخر منافس، بهدف جلب أكبر عدد من المشاهدات، وينجحون في ذلك.

وأحيانا يفتعلون خصومات وهمية بينهم، يستحمرون بها “جمهورهم”، فيقسمون المتابعين إلى فرق تتعارك بينها، ويستثمرون هم من وراء ذلك مزيدا من اللايكات والمشاهدات وطبعا فلوس أكثر.

وبجرأة لا حدود لها بل بوقاحة فجة، أصبحت العديد من الفتيات يظهرن في مقاطع مصورة وبوجوه مكشوفة، وهن يرقصن شبه عاريات، يحركن أردافهن ويعمدن لإبراز واستعراض مفاتنهن، بإظهار المؤخرة والأرداف والأثداء، علهن يكسبن “لايكات” ومشاهدات ومتابعات ومعجبات. بل منهن من وضعن الكاميرات في غرف نومهن.

لن أتحدث هنا عن أسماء “مشات بعيد فالعهر والشوهة” وأصبحن ” نجمات الجنس على السوشيال ميديا ”  ومؤثرات يقدمن دروسا في العلاقات الحميمية، بكلام وبحركات”بورنوغرافية” لمتابعيهم من نساء ورجال، فهؤلاء تجاوزن سقف ” السفاهة و الميوعة والخلاعة” إلى ما هو أكثر من كل ذلك.. وانحدوا بنا إلى القعر والدرك الأسفل..

الكل انساق للأسف مع التيار، وهكذا كثر “نجوم التفاهة والسفاهة” في المغرب، والظاهرة غذتها للأسف صحافة الجهل والتجهيل التي أصبحت رائدة في نشر التفاهة والعهر والفضائح. وأصبحت هي أيضا مرجعا ونموذجا لمن أراد أن ينجح ويتميز ويفرض نفسه في “المشهد الإعلامي” ويجني ويستفيد من مداخيل “الأدسنس” والربح السهل. ولو على حساب أخلاقيات المهنة وقواعدها وقيم المجتمع وقواعده.

سؤالنا هو كيف يمكن أن نتعامل اليوم مع ” نجوم التفاهة” وقد أصبحوا يحتلون الواجهة في وسائل الإعلام؟

وكيف نفسر تموقعهم على أكثر من صعيد؟

هناك سؤال آخر، أين هم المؤثرون الحقيقيون؟ من إعلاميين وكتاب ومثقفين وعلماء اجتماع وأطباء.” أين تواروا تاركين الساحة فارغة للانتهازيين والهبل والتافهين… وتأثير كل هذه الظواهر على صنع و إنتاج جيل من القطيع …تافه…ضائع ..فاقد للبوصلة؟

أين هي المؤسسات الوصية على الإعلام، ما موقفها من هذه السيبا والتسيب الإعلامي، أين نحن من الخطابات ومن قانون الصحافة ومن أخلاقيات المهنة واحترام قواعدها، وحماية صورة المرأة، أمام هذه الإساءة التي تتعرض لها المرأة المغربية اليوم؟

أليس فينا من ينتفض ضد هذا الابتذال – وهذا الانحدار الذي يسير بدون مكابح ( بلا فرانات) نحو الهاوية…ويصرخ:” اللهم هذا منكر”..

“كيفاش نستضفوا اناس يعترفون ما عندنهومش مع القرايا ويتبجحون بما وصلوا إليه من شهرة وغنى، بلا قرايا، وبتهكم يقولون “اش قضاوا دوك اللي قراوا….وغير بالدارجة وقاضيين حاجة… شعارهم:” طلاقها تسرح”.. فين غادي تسرح…؟ ما عرفتش..هل بهذه النمادج سنرد الاعتبار للتعليم ونشجع أطفالنا على حب العلم والتعلم؟

قد نتساءل أيضا، أليس وراء كل هذا التسيب ( شي لعيبة  تتجاوز ربما فهمنا المتواضع ولا يدركها غير العارفين بخبايا الأمور) تشجع على الجهل والتجهيل؟ و سمحت عن قصد بهذا الابتذال …وجعلت الإعلام بنية مبيتة، في خدمة أناس سذج تافهين باتوا يؤثرون على الجماهير بتسخير “صحافيي” الاسترزاق ضد كل ما هو جاد ومفيد وهادف؟

كيف نتعامل مع هذا الجيل الجديد من “المؤثرين”، ونحن نتابعهم ينشرون الضحالة والتفاهة” وقنوات عديدة تكافؤهم بدعمها لهم على حساب الجدية والجودة”؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء جعل من الابتذال والرداءة نظاما جديدا؟

جانب من الجواب، قد نجده عند الكاتب الكندي آلان دونو فهو يشرح في كتابه ” نظام التفاهة”، كيف يتمّ ذلك من خلال توضيح كيف جرى هزّ معايير الكفاءة، حيث يشير إلى أن تحصيل التافهين لمواقع لأي سبب من الأسباب يجعلهم يبحثون على أشخاص تافهين لتحصين موقعهم، وعلى أساس هذا التخوّف على الموقع تُبنى بالتدريج شبكة من التافهين تحصّن فيها كل نقطة بقية النقاط في الخريطة الاجتماعية، ومن ثمّ إسباغ التفاهة على كل شيء.

ويفسر دولو كيف مدت التفاهة أذرع سيطرتها في كل اتجاه وفي كل ميدان. من الميدان الأكاديمي، إلى السياسي، فالاقتصادي والتجاري، والمالي، والإعلامي.

يقول دولو:” إن تصدير التافهين على أنهم قدوة، يعني إنتاج مزيد من الإنسان الفارغ”..

والذي بدوره سيكمل الطريق ويقلد..ليصبح تافها آخر. وهكذا يتحول الأمر إلى منظومة من التافهين”..

فحسب دولو يدعم التافهون بعضهم بعضا فيرفع كل منهم الآخر لتقع السلطة بيد جماعة تكبر باستمرار، لأن الطيور على أشكالها تقع..

أما الكاتب والروائي الاسباني كارلوس زافون صاحب رواية “ظل الريح”، فيلخص ذلك بقولته الشهيرة :” إن العالم لن يفنى بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف بل الابتذال و الإفراط في التفاهة سيحول العالم إلى نكتة سخيفة”.

في غياب أجرأة قوانين تعاقب كل من ارتكب إخلالا علينا بالحياء، بالعري المتعمد أو البذاءة في الكلام والإشارات، لا يبقى أمامنا، وهذا أضعف الإيمان، حماية لأطفالنا سوى إطلاق حملة يكون عنوانها : ” أوقفوا هذا العبث ولا تجعلوا من عاهات اجتماعية وتافهين مشاهير ونجوم”.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا