من فريد إلى عبد الحليم: الحب والفاصوليا وبطلات الأفلام!

سلسلة حلقات تكتبها: هاديا سعيد*
الحلقة الثالثة
لا أدري كيف أصبحت من المقربين الذين يحب الأستاذ فريد حضورهم ومشاركته الطعام أو النزهة أو استقبال مدعوين آخرين. لا لم أصبح في “ شلة فريد الأطرش” لكني وجدت نفسي وبمتابعة وإشراف من مديري في زيارات متتالية لقصره الصغير الذي يسميه فيللا. وتحكي لي سكرتيرته السيدة دنيز عن القليل من الكثير الذي نقله إليها من قصره في القاهرة. أقول لها إن القصر يبقى قصرا ولو كان غرفة واحدة. هذا ما أراه في بيوت عريقة تقرأ تاريخها بالمفروشات واللوحات والتحف وقطع الكريستال الأصلية التي تفضح المغشوش والمقلد في كثير من البيوت..
فريد الأطرش يتحرك في فللته الرحبة الأنيقة، بخفة كاليمامة وحضور كالأسد. يمتلك هيبة التأثير العام الذي يحمله اسمه الكبير ورقة الإنسان الذي يشعرك أنه صديق. لكني رأيت وجهه الآخر حين يغضب أو يرفض. التقط نبرته الحاسمة والعالية نسبيا في مكالمة يختلف فيها مع الآخر وأرى ضحكته الطفلة في مكالمة ودية طويلة مع أصدقائه من القصر الجنبلاطي.
أرى فرحة العيد في عينيه وهو يؤكد علينا الحضور لمشاركته طعام الغذاء يقول لي ممازحا. الجماعة سيأكلون خروف العيد وأنا وأنت سنأكل الفاصوليا التي نحبها.
حكاية الفاصوليا كانت حدثا في بيت فريد الأطرش وبيتنا (في ذلك الزمن تمنيت لو أنه يذكرها في مذكراته التي أكتبها له ” بأسلوبي” لكن المذكرات كانت ستتوقف عند الماضي وليس الحاضر الذي يجمعنا به الآن بعد انتقاله للعيش في لبنان وقبل مغادرتي لبنان بعد المذكرات وقبل وقوع الحرب الأهلية اللبنانية بسنوات).
طبق الفاصوليا يبدو هو الذي أدخلني حلقة الصداقة مع فريد الأطرش في ذلك الزمن! كان الوحيد الذي يحب هذه الأكلة فيما يهرب منها كل المقربين والمقربات. وحدي كنت عاشقة لهذا الطبق وأذكر تماما مدى حماس واحتفاء الأستاذ وهو ينقل للسيدة دينيز خبر حبي للطبق ويتمسكان بي لأبقى على مائدة الغذاء ذلك اليوم! ومن يومها أصبحت الفاصوليا تجمعنا فيم تقول أمي رحمها الله ( يعني أنت تحبي الفاصوليا أكثر من الكفتة؟! افتكرنا بيت فريد الأطرش لا يأكلون إلا الحبش والخراف…
ما زلنا في نهاية الستينات و”فري” يروي لي دروس الفن والحياة والعلاقات والخسارات والندم من خلال تجربته العريضة. هي مواقف وأحداث كانت تضعني وأنا في تلك السن الصغيرة والتجربة الكبيرة في أرجوحة تطلقني بين موجات الحيرة والفرح وتصنع الثقة وتدفعني إلى مزيد من الاجتهاد..
سباق الخيل.. أجمل نجمات مصر بطلات أفلامه.. إسرافه في البذخ والسهر.. صداقاته التي تجمع الكثير من الأطياف والمستويات. يحكي عن الندم بتلقائية وحسم ويراوغ في الحديث عن قصص الحب والعلاقات. لكنه يعترف بالعطب الأساسي لقلبه بعد فراق سامية جمال. تبقى حبي الوحيد الكبير يقول وكأنه يهمس لنفسه.
كل الناس تعرف هذا. أقول له وأحاول اصطياد انفراد ما شجعني مديري على التقاطه مهما كان صغيرا. أفكر : لماذا يهتم الناس بحب فريد الأطرش لسامية جمال أكثر بكثير من حب ابن الجيران الذي ظل يكتب كلمات الأغاني العاطفية ويرسلها إلى الحبيبة اللامبالية كل يوم وطوال خمس سنوات؟..
فريد الأطرش يضحك لحكايتي ويقول تصلح فكرة لفيلم كوميدي. كان يعد حينها لفيلم جديد مع فاتن حمامة. ألتقط حماسه وحبه للفكرة. يقول إنها مختلفة جديدة لكننا نعلم بعدئذ أنها مقتبسة كمعظم أفلامه. يقول إن الناس تشاهد أفلامه كي تراه يغني. يقول إنه ليس ممثلا لكنه أصبح جيدا أمام بطلات أفلامه من عملاقات السينما. فاتن حمامة وماجدة. يعترف أن أكثر إحراج تعرض له حين كان يشعر ببعض الممثلات وقد بدأن يبدين اهتماما يتجاوز الود.هل وقعن في حبه؟ يراوغ مبتسما كطفل. ما اعرفش. يمكن حبوني. هُن حبوني مش أنا! /يتبع..
*روائية وإعلامية مديرة تحرير سابقا لمجلة ” سيدتي” العربية