انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

الحبّ مازال ممكنا..

لماذا نكتب؟ ولمن نكتب؟

بقلم: عبد الرحيم الخصار*

حين كنتُ أدرس في الثانوي بشعبة العلوم التجريبية ب “جمعة سحيم”، كان أصدقائي في قاعة المطالعة بالقسم الداخلي يراجعون دروسهم، كي ينعطفوا جهة العلوم الرياضية، ليصيروا مهندسين. وكنتُ في القاعة ذاتها أغلق كتب العلوم وأشرع في كتابة قصائدِ ورسائل الحب. وحين التحقت بمركز تقني لتكوين السككين في الدار البيضاء، كان زملائي يجدّون ويجتهدون ليواصلوا تعليمهم في القطاع ذاته بهولندا وبلجيكا، غير أني كنت أغلق كتب الميكانيك والكهرباء والإلكترونيك وأواصل كتابة رسائل وقصائد الحب. وحين طُردتُ من مكتب السكك الحديدية، وعدت إلى الجامعة لأدرس الأدب العربي، كان أصدقائي الطلبة يركّزون أكثر كي يصيروا باحثين ودكاترة، فيما كنت ما أزال منكبا على كتابة قصائد ورسائل الحبّ.

لم تكن تلك الرسائل التي قضيتُ سنوات في كتابتها تعني أحدا بالأساس. إنها رسائل كتبها عاشق قروي وبعث بها إلى المجهول.

أحيانا يستعصي علينا أن نفهم لماذا يترك المرء أشياءَ مادية ملموسة واضحة وقريبة، ويتبع هواه، مستمتعا، أيما استمتاع، بمطاردة الوهم. يشبه الأمر أحيانا أن يترك التاجر بضاعةً تبور، وينتشي بالخسارة.

تدربتُ باكرا على أن أفهم لماذا يخسر الرجل القروي أرضه من أجل امرأةِ ليل، أو من أجل نبيذٍ لا ينتهي. غير أن هذا الاستيعاب المبكر لم يسعفني كي أدرك معنى أن يتخلى شاب طموح وحالم عن أشياء كثيرة كان من المفترض أن تُبهِج حياتَه أكثر، ويتشبثَ بأشياء غامضة وغير ذات جدوى في نظر أغلب الخلق.

بوصول هذا العام سأصلُ إلى أرض الرابعة والأربعين، وعلى مدار هذه السنوات التي نفقت لم أكن أفعل شيئا يُذكر. كل ما فعلته في لياليها الطويلة ونهاراتها البارقة هو أنني كنت أسمع الموسيقى وأقرأ وأكتب. لم أكتب أدبا عظيما يمكن لي أن أتباهى به، ولكني على الأقل كتبت قصائد ونصوصا تشبهني، تشبهني تماما. وهذا الشبه البليغ هو ما يمنح لحياتي معنى، المعنى الذي يدفعني للتمسك أكثر بهذا الوهم الغامض والغريب، المعنى الذي يصعب تفسيره للآخرين، كما لو أنه ملذّة سرية.

كل ما أنتظره من الزمن المقبل، هو أن يعمّق إيماني القليل بأن الحبّ مازال ممكنا،  وأن القصائد يمكن أن تجعل العالَم أجمل، يمكن أن تخفض صوت المدافع قليلا، وترفع صوت الموسيقى، يمكن أن تساعد الأشجار القليلة في قريتي على الإزهرار، بالرغم من شحّ المطر، يمكن أن تَنبت لها يد تربت على شعر طفل فقير ويتيم، وتمسح الدمعة التي تنزل حارّة على خدّه الصّغير.

* شاعر وروائي

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا