
سلسلة حلقات تكتبها: هاديا سعيد*
الحلقة الأولى..
فجأة استدعاني مديري الى مكتبه. هذا يعني أنه مستاء أو سيكلفني بمهام لا أحبها!..
كنت على أولى درجات العمل الصحفي. وكنا في بيروت زمن أواخر الستينات أحمل آمال كاتبة شابة تريد أن تقول كلمتها لا صحافية تلاحق الخبر والحدث. كانت أولى خطواتي في الصحافة الفنية فيما كان أملي وهدفي صحافة الأدب والثقافة والمجتمع. إنه الأستاذ محمد بديع سربيه صاحب وناشر ورئيس تحرير مجلتي “الموعد “و”كل شيء”. .
الأولى فنية أخبرني أنه لا بد أن أساهم في الكتابة بها إذا أردت الحصول على وظيفة ثابتة في الثانية! كانت مجلة “كل شيء ” إحدى المجلات الاجتماعية والسياسية الراقية وكنت أعتقد أن انتمائي إليها هو الذي سيمنحني هوية الكاتبة! إلى أن اكتشفت أن اهتمام الأوساط بما فيها الأهل والأقارب والمعارف يرى في مجلة الموعد القيمة والبرستيج والشهرة !
قال لي بحسم واختصار كعادته: “أنت مكلفة بكتابة ما تبقى من مذكرات المطرب فريد الأطرش وهي حلقات لن تكون طويلة”..
كيف سأكتب مذكراته أستاذ وأنا من جيل عبد الحليم حافظ وأتابع عبد الحليم بصراحة، وأعرف عنه أكثر مما أعرف عن الأستاذ فريد الأطرش.
ضحك مديري شارحا أن من كان يكتب المذكرات كان على تواصل مع الفنان إلا أنه توقف عن الكتابة لأسباب صحية ورأى مديري أني أفضل من يستطيع أن يتابع كتابة المذكرات بأسلوبي الجميل الذي بدأ يلفت أنظار الوسط الاجتماعي والفني في بيروت! ..
خرجت من مكتبه وأنا أحلق فوق سحابة كأنها بساط الريح الذي غنى له فريد الأطرش. هذا النجم الساطع الذي سأكون على موعد معه كل أسبوع. أمضي معه ساعات يروي لي فيها مقتطفات من ذكريات وخواطر.
إذن سألتقي بالفنان الكبير أسبوعيا وأجلس معه وأحاوره وأستمع إليه. كيف؟ أنصت جيدا وأدون كل ما يقول! هل يمكن التسجيل؟ لا طبعا! أين سألتقي به؟ في قصره بمنطقة الحدث. متى ومن يحدد الموعد؟ سكرتيرته ستتصل وتحدد الموعد وسائقه سينقلك بسيارته ويعيدك إلى المكتب أو المنزل.
كان أهم ما خرجت به من مكتب مديري يومها هو العزم أن أعيد قراءة كل ما نشرنا له من حلقات سابقة وأن لا أخشى التجديد في مسار كتابة المذكرات خاصة تفاصيل شخصية ومواقف إنسانية وأسرار عواطف ومشاعر ولو من دون ذكر الأسماء. / يتبع
* روائية واعلامية مديرة تحرير سابقا لمجلة ” سيدتي” العربية