ريم نجمي: ليس هناك أجمل من امرأة تكتب وامرأة تقرأ..
القارئ الأول لي كان ولا يزال والدي دائما..

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق
قليلة هي الروايات التي تأخذك إلى عوالمها، تشدك إليها تخاطبك، تجعلك تتماها مع شخوصها، تدخل إلى أعماق دواخلهم تعيش أحاسيسهم ومشاعرهم هواجسهم وانكساراتهم.
مع ” تشريح الرغبة” عشت فعلا هذه الحالة، تقاسمت مع أبطالها الثلاث، مشاعر متأججة بين العشق والحب والكره، بين الخيبة والعتاب، بين الهجر والخذلان….
بلغة شعرية أنيقة، تمكنت الشاعرة والكاتبة والإعلامية، ريم نجمي من خلال روايتها الأولى” تشريح الرغبة”، من أن تحلق بنا في بوح أدبي جميل، عبر تشريح التفاصيل الدقيقة للرغبة ولكل هذه المشاعر العاطفية الإنسانية، المعبر عنها في الرسائل المتبادلة بين أبطال القصة، لنخوص في أعماقهم، وننتهي في الأخير بالتعاطف بشكل أو بآخر مع كل شخوصها الثلاث.
“تشريح الرغبة”، رواية عن الحب والتعلق والخيانة والهجر، عن الهجرة والغربة والزواج المختلط، وعن أزمة منتصف العمر…
عن روايتها “تشريح الرغبة ” كان ل” بسمة نسائية”، هذا الحوار الممتع مع ريم نجمي الشخصية الجميلة بابتسامتها المشرقة دوما:
*/ بداية، أهنئك على هذا العمل الإبداعي الجديد، الذي نقلك من الشعر إلى الرواية، خاصة وأنك عدت بنا من خلالها بلغة شاعرية إلى قصص الحب والعشق، التي يبدو أنها أصبحت مهجورة ومفتقدة في المشهد الأدبي العربي بالأساس في السنوات الأخيرة.
فكيف كان هذا الانتقال من الشعر إلى الرواية؟ ولماذا اختيار تبادل الرسائل كجنس أدبي في سرد روايتك “تشريح الرغبة”؟
– الحقيقة لا يمكنني الحديث عن عملية انتقال من الشعر إلى الرواية، لأني منذ أن بدأت في عملية الكتابة الجادة، زواجت بين السرد والشعر وأحيانا نادرة كتابة حوار مسرحي. اقتصرت عملية النشر في البداية على الشعر، لأن روايتي الأولى لم تكن ناضجة بما يكفي لأنشرها، أما روايتي الثانية ورغم أنها استغرقت مني جهدا ووقتا كبيرين، إلا أني لم أنشرها لأسباب خاصة تتعلق برقابة ذاتية، إذ خفت أن يتم الخلط بين الرّاوِية وبيني وينعكس ذلك على عملي الصحفي، لأن الرواية تناولت أجواء العمل الإعلامي في المهجر..
ثم جاءت رواية “تشريح الرغبة” لتكون العمل الروائي الأول في زمن النشر، لكن ليس في زمن الكتابة. وقد اخترت تقنية الرسائل لأنها تقنية تمكنني من إعطاء المجال للشخصيات للتعبير عن نفسها بحرية، وحتى تتمكن من طرح وجهة نظرها للأحداث نفسها دون تقييد. وكأن تلك الشخصيات تلبستني وكتبت رسائلها بمفردها دون تدخل مني.
لا أخفيك أن نهاية العمل لم تكن محددة منذ بدء عملية الكتابة، وكأن الشخصيات هي التي اختارت مصيرها ونهايتها.
* القصة تبدو واقعية وتدور في بنية ثلاثية الأضلع، بين ثلاث شخوص أساسيين، من ثقافات و مرجعيات اجتماعية مختلفة، يوليا الزوجة الألمانية وعادل الزوج المغربي وجوري الحبيبة اللاجئة السورية..
واخترت أن تبدأي الرواية من نهاية العلاقة بين الزوجين، وانتصرت في الأخير للرجل بعدما تركت يوليا الزوجة تنهي حياتها وحيدة بعدما هجرها الزوج وأحب امرأة أخرى وتزوجها، هذا في الوقت الذي كان ينتظر منك أن تنتصري للمرأة خاصة وأن الناشر يقدم روايتك كرواية “نسوية بامتياز”؟
سؤالي: هل هي كذلك؟ وهل تؤمنين بتجنيس الأدب أم تؤمنين بأن الأدب لا جنس له؟
– عندما انتهيت من كتابة العمل، أعطيته لصديقتي المقربة ولوالدتي لتقرأنه، وكان لهما اعتراض على نهاية الرواية، إذ اعتبرتا أنها نهاية غير عادلة، وكان لابد للرجل أن “يعاقب” روائيا. لكن لماذا يمكن اعتبار انفصال المرأة عن رجل لا يحبها هو عقاب لها وانتصار للرجل؟
بالعكس يوليا تخلصت – ولو رغما عنها – من رجل نرجسي سام لم يقدرها ولم يقدر حبها له. لقد شعرت يوليا في النهاية بالحرية وبالانعتاق من علاقة سامة، ووجدت شريكا جديدا يحبها واعتنت بنفسها أكثر والأهم وجدت في الكتابة ملجئا لألمها وخيبتها.
إن الرواية تحمل في طياتها ربما رسالة أن الحياة لا تقف عند علاقة أو رجل أو حدث مؤلم، ينبغي على المرأة أن تكون قوية وأن تواصل رحلتها ولو كانت مثقلة بالألم. هذا هو الانتصار الحقيقي.
هناك نساء يفضلن إكمال الحياة في مستنقع سام ولا يجدن شجاعة الرحيل، وهذا من وجهة نظري خطأ كبير. الانفصال ليس عقابا ولا زواج البطل بامرأة أخرى انتصار له وللمرأة الأخرى. أما عن تجنيس الرواية والأدب، فأفضل أن يكون الأدب إنسانيا وخارج أي تصنيفات جنسانية.
*/ الرواية جميلة ومكتوبة بلغة سلسة وبسيطة وشاعرية، وبجرأة أيضا، في طرح بعض المواضيع خاصة موضوع الجنس. هناك من ذهب بعيدا في تقييم هذه الجرأة، إذ ومن خلال متابعتي لبعض التعليقات، صنف البعض الرواية كرواية للبالغين فقط..كيف تردين على هذه التعليقات؟
– أعتقد أن هذه المسألة نسبية وتختلف من قارئ إلى آخر. لا أرَ أن رواية “تشريح الرغبة” رواية جريئة في طرحها لموضوع الجنس، لقد كتبت أغلب المشاهد الجنسية بلغة مجازية شاعرية وكان لها ضرورة كبيرة في إبراز عقدة البطل، الذي كانت طريقة ممارسته للجنس مع زوجته الأوروبية فيها نوع من الخضوع بينما شعر برجولته وتفوقه في السرير مع المرأة العربية التي لا تجربة لها. وكانت هذه النقطة إحدى المشاكل الكبرى في علاقته مع زوجته الألمانية. لم يكن من الناحية الأدبية معقولا أن نشرح علاقة زواج استمرت لربع قرن دون التطرق إلى العلاقة الجسدية.
*/ قلت في إحدى حواراتك أن من الطقوس التي رافقتك في كتابة روايتك هاته، الاعتماد على الأغاني خصوصا الأجنبية في خلفية الكتابة..لماذا الأجنبية بالذات؟
– عندما أكتب لا أتحمل الصمت من حولي وأحيانا تساعدني الموسيقى في الدخول إلى حالة نفسية معينة. الأغاني العربية الجميلة تجعلني أركز مع كلماتها ولا أتمكن من الكتابة، الشيء نفسه مع اللغات التي أفهمها كالفرنسية أو الألمانية أو الإنجليزية لذلك أسمع أغان لا أفهمها فلا أركز فيها وفي الوقت نفسه تكسر الصمت والهدوء القاتل. فاستمعت لأغان تركية و إسبانية وإيطالية أثناء الكتابة…لكن أذكر أن الأغنية العربية كانت حاضرة في بعض الأحيان مثل أغنية رسالة من امرأة لفايزة أحمد التي سمعتها مرات عديدة وأنا أكتب فصل اكتشاف المرأة لوجود امرأة أخرى في حياة زوجها، إلى جانب أغان فرنسية لداليدا وجو داسان تلائم جو الرواية.
*/ بعيدا عن طقس الموسيقى في الكتابة، أي أنواع الموسيقى يرافقك في خلوتك؟ ولمن تدندنين؟ وهل أنت عاشقة كما الأب لفن العيطة؟
– أعتبر نفسي محظوظة موسيقيا لشساعة الأنواع الموسيقية التي أحب، الأغنية المغربية العصرية والشعبية بكل أنواعها: العيطة، الأغاني الأمازيغية، الملحون، الأندلسي، الحساني… الأغاني العربية الكلاسيكية والجديدة، الأغنية الفرنسية الكلاسيكية، بعض الأغاني الألمانية وموسيقى الشعوب…أحب فن العيطة في بعض أنواعه كالعيطة المرساوية والعيطة الجبلية. لكن هناك مطربان يرافقاني دائما في خلوتي وفي كل حالاتي، ولا يمكن أن أمل منهما: وردة الجزائرية ومحمد عبده.
*/ أنت من جيل الكتاب الشباب الحاليين، جيل هذا العصر، جيل الكتابة بالنقر على الكومبيوتر، ألا تستهويك الكتابة بالقلم على الورق؟ وهل تفضلين قراءة الأعمال الأدبية بالخصوص ورقيا أم رقميا؟
– الحقيقة أني لا أستطيع الكتابة على الورق، حتى التدوينات والأفكار العابرة أدونها على مذكرتي الرقمية على الهاتف. وكأنه يصيبني هلع الورقة البيضاء. فعلا لم أعد أعرف الكتابة على الورقة. ونظرا لكوني أقيم في بلد أجنبي فأغلب الكتب العربية أشتريها رقمية عن طريق مواقع متخصصة، فأصبحت أغلب قراءاتي رقمية كذلك.
*/ حين تسأل ريم نجمي، بمن تأثرت أكثر بالأب الشاعر حسن نجمي أو بالأم الشاعرة والكاتبة عائشة البصري، تقول دائما: تأثير الأب أكثر…لكن الإهداء في راويتك ” تشريح الرغبة” كان بجملة أو بكلمة واحدة : إلى عائشة.. أمي…ماذا يعني لك ذلك؟
– فعلا تأثير والدي هو الأكبر والأهم ولكن هذا لا يعني أنه لا وجود لتأثير الأم، وهذه الرواية تحديدا أحببت أن أهديها لوالدتي لأن بها جانب يتحدث عن الأم والأمومة. وبها اعتراف بالجميل الذي لا يمكن أن يرد للأم.
*/ من هو القارئ الأول لك الأب أم الأم أم الزوج؟
– القارئ الأول كان ولا يزال والدي دائما، أولا، لأنه مثقف وقارئ كبير ثم إن صداقة أدبية تجمعني به منذ أن بدأت الكتابات الأولى في الطفولة.
*/ من الملاحظات التي سجلت في دورة المعرض لهذه السنة 2022، هي الحضور المتميز والوازن للإبداعات النسائية خاصة الرواية، في الوقت الذي سجل غياب تام تقريبا في الدورة الأخيرة 2018 ؟
– بالفعل، وهذا أمر أسعدني وأبهجني كثيرا، خاصة ظهور الأقلام الشابة والواعدة، قد يبدو ما سأقوله نوع من التحيز، لكن ليس هناك أجمل من امرأة تكتب وامرأة تقرأ. أتمنى أن تتسع دائرة الأقلام النسائية، فنحن في مجتمعات بحاجة إلى وصول الصوت النسائي بكل قضاياه وتحدياته إلى القارئ ثم إلى المجتمع بشكل عام. ينبغي أن يكون صوت المرأة المبدعة عاليا ومسموعا.
*/ حضرت في معرض الدار البيضاء الأخير 2018 كشاعرة وكان لك موعد بتوقيع ديوانك الأخير ” كن بريئا كذئب” وحضرت في هذه الدورة بالرباط كروائية برواية ” تشريح الرغبة”، ما الذي تغير بالنسبة لك بين الدورتين؟
– تجيب ضاحكة :
– أصبحت أما للمرة الثانية وأنا مدينة لابني بالوقت الذي كتبت فيه رواية ” تشريح الرغبة”، فلولا إجازة الأمومة لمدة عامين، ما كنت لأكتب وأتفرغ له وللبيت وللكتاب.
*/ من اللقطات الجميلة التي ميزت أيام المعرض الدولي للكتاب والنشر والذي نظم لأول مرة في الرباط، لقطة التوقيع الذي جمعك في موعد واحد ومكان واحد برواق الدار المصرية اللبنانية للنشر، مع الوالدة، الكاتبة والشاعرة المعروفة عائشة البصري، حديثينا عن هذه اللحظة؟
لقد كانت لحظة سعيدة جدا، بها الكثير من المشاكسة بيني وبين والدتي، إذ كنا نتنافس من باب الدعابة حول من ستوقع أكبر عدد من الكتب. وقد استمر التوقيع لساعتين متواصلتين، ولقد نفدت كل نسخ روايتينا. كانت لحظة كذلك تحمل دلالات أيضا قد يقرأها البعض كنوع من الاستمرارية، أو التضامن النسوي، أو الدعم المتبادل بين الأم والابنة، لقد كانت ببساطة لحظة حب.
*/ أنا مدينة لك.. لمن تقولينها؟
– أقولها لوالدي، على كل ما منحني إياه من حب ودعم.
*/ أجمل قصيدة كتبتها؟
– أجمل قصيدة كتبتها هي ابنتي وابني.