اخبار بسمة

اطلاق حملة وطنية من أجل تفادي التشوهات الخلقية

مونيا السعيدي

بحكم عملها كطبيبة مختصة في جراحة الأعصاب والدماغ، بمستشفى الاختصاصات بالرباط، سجلت الدكتورة لبنى الريفي، من خلال الحالات التي تفد عليها،نقص كبيرعلى مستوى التوعية والتحسيس بالتشوهات الخلقية لدى الأطفال. وقالت لبسمة نسائية، هناك أشياء يجب أن تعرف وتعمم من أجل محاولة تفادي بعض من هذه التشوهات التي تصيب الأطفال، مشيرة إلى أن أزيد من 300 ألف طفل يولد مصاب بتشوهات الأنبوب العصبي سنويا. وبأن إدماج حمض الفوليك في تغذية المرأة الحامل يمكن أن يقي طفلها من الإصابة بهذا المرض.

ولتوضيح هذه الأمور وغيرها ومن أجل أن تصل رسالتها إلى أكبر عدد ممكن من النساء والأسر، اتفقنا مع الدكتورة لبنى، على إدراج هذه التوطئة أولا، على أن نعود إلى الموضوع بالصوت والصورة مع شهادات لأسر تعاني من هذا المشكل الطبي المعقد.

حمض الفوليك يبشر بإمكانية تفادي بعض من التشوهات الخلقية

ولادة أزيد من 300 ألف طفل مصاب بتشوهات الأنبوب العصبي سنويا

 

تقول الدكتورة لبني الريفي إن اضطرابات انغلاق تشوهات الأنبوب العصبي أو ما يطلق عليه neural tube defect (NDT ( تعتبر نوعا من التشوهات الخلقية للجهاز العصبي المركزي (CNS). وهذه العيوب الخلقية نجد بينها السنسنة المشقوقة أو ما يسمى بـ Spina Bifida، والقيلة الدماغية أو ما يسمى بـ Les encéphalocèles، تمثل مشكلة صحية عامة في المغرب. فهي متكررة، ومتعددة العوامل، ويمكنها أن تتأثر بظروف وراثية، واضطرابات في التغذية، وعوامل بيئية أثناء الحمل مثل تناول الأم للأدوية، أو إصابة الأم، أو التعرض للمواد السامة أو الإشعاعات.

وعادة ما يتم توزيع هذه التشوهات خلال المراحل الجنينية، ولذلك يجب التذكير بالمراحل الجنينية الطبيعية وشذوذ التخلف المضغي أو ما يعرف بـ l’embryogénèse، (وهي العملية التي تنمو خلالها المضغة لتصبح جنينا) ليكون لذلك معنى وشرح التشوهات للاهتمام بها بطريقة صحيحة.

تختلف الإصابة بهذه التشوهات وفقا للمناطق الجغرافية، إذ تصيب ما بين 5 و10 في كل 1000 ولادة (29,43) تليها أمراض عيوب القلب، التي تصيب 8 في كل 1000 ولادة.

يولد، كل سنة، أزيد من 300 ألف طفل مصاب بتشوهات الأنبوب العصبي، وما تزال هذه العيوب تتسبب في مئات الآلاف من الوفيات لدى الأطفال من الفئات العمرية المتراوحة ما بين 0 و4 سنوات، بينما يبقى عدد مماثل من الأطفال المصابين معاقين مدى الحياة. ومن أهم أهداف ‘الإنمائية للألفية”، the Millenium Development، التي وضعتها الأمم المتحدة، هو الحد من المعدل الإجمالي للوفيات لدى الأطفال في هذه الفئة العمرية.

وللوقاية من غالبية عظمى من التشوهات لدى الأجنة، ينبغي تحسين استعمال حمض الفوليك، لأن له تأثير كبير على اضطرابات استقلاب فيتامينات الفولات أي  folates. وفي الواقع، فإن تشوهات الأنبوب العصبي من الأمراض النادرة المعترف بها لحد الآن. إذا أن استهلاك 0.4 مليغرام من حمض الفوليك يوميا خلال الفترة الحرجة من الحمل (شهر قبل الحمل وشهرين بعده) يقل خطر إنجاب طفل مصاب بالسنسنة المشقوقة أي Spina Bifida، بأزيد من من 70 في المائة من الحالات ما يؤشر على أن بعض تشوهات الأنبوب العصبي وليس كلها مرتبطة بنقص حمض الفوليك.

يتم تشخيص هذه التشوهات لدى الجنين بواسطة الموجات فوق الصوتية العالية الدقة، وهذا التشخيص، لم يظهر في المغرب، إلا في السنوات الأخيرة وفي 10% من الحالات، وعادة ما تتجاوز 30 أسبوعا من الحمل.

وفي العديد من البلدان المتقدمة، تكون الوقاية من خلال الاستشارة الجينية واستهلاك كمية من حمض الفوليك في فترة تشكل الجنين، ودقة التشخيص قبل الولادة، وإضفاء الشرعية على الإجهاض العلاجي، وكل ذلك يساعد على انخفاض انتشار الإصابة بالعيوب الخلقية للأنبوب العصبي.

يُشار إلى أنه قبل سنة 1980، كان هناك انتشار مرض السحائية أو ما يطلق عليه myélo-méningocèle، بالولايات المتحدة الأمريكية، بمعدل 1 أو 2 في كل 1000 ولادة. وفي الآونة الأخيرة، انخفض معدل الانتشار إلى0.44 في كل 1000 ولادة حية. ويعزى هذا الانخفاض ما بين 20% و30% إلى التشخيص ما قبل الولادة، والباقي من خلال استهلاك مكملات الفوليك.

يمكن القول إن هذه التشوهات مسؤولة عن معظم الآثار النفسية والحركية المهمة التي تتطلب دعما متعدد التخصصات. ويشمل هذا الدعم مرافق الاستقبال ملائمة لتسهيل الاندماج الاجتماعي والمهني، الذي يكلف نفقات مالية باهظة للأسر، والدولة والمنظمات الاجتماعية.

تظهر الصعوبات التي يواجهها المغرب في علاج هذه التشوهات العصبية منذ بداية تشكل الجنين وحتى الآن، وليس هناك أي نظام للوقاية من هذه الحالات الشاذة في بلدنا، ولا أي امرأة في هذه السلسلة نجدها تناولت حمض الفوليك قبل أو أثناء الحمل.

وعلى الرغم من أن حمض الفوليك منتج معروف ومربح وفعال للعديد من البلدان النامية، وكذلك المغرب، ما تزال لا تتبع سياسة غير فعالة أو أي سياسة لإغناء الأغذية بالفوليك لمنع ظهور التشوهات.

في الوقت الذي صرحت فيه بلدان عديدة سنة 1998، بأن جميع النساء في سن الإنجاب يجب أن يأخذن مكملات بشكل يومي، من حمض الفوليك للحد من مخاطر الحمل بأطفال مصابين بالتشوهات.

يمكن الكشف عن هذه التشوهات بواسطة الموجات فوق الصوتية قبل الولادة، الذي أصبح ضروريا لكل النساء الحوامل منذ بداية حملهن، والهدف الرئيسي من هذه الفحوصات هو البحث عن التشوهات الجنينية. تسمح كذلك الجرعة التي توضع في مصل الأم ألفا-فوتو-بروتين (AFP) بالكشف المبكر عن التشوهات. وأي زيادة ألفا-فوتو-بروتين في مصل الأم، فهي عبارة عن اختبار محدد وحساس نسبيا للكشف عن الأمراض. كما أن وجود أنزيم أستيل كولين إستراز acétylcholinestérases، (وهو أنزيم في التشابكات العصبية) في السائل السلوى يحدده بزل السائل الأمنيوسي (وهو اختبار يحدد الشذوذات الصبغية لدى الأجنة) ما يكشف هذه الأمراض.

عند الولادة، تشكل تشوهات الأنبوب العصبي مشكلا لأطباء التوليد، وخاصة للأسر الذين يجهلون هذه الأمراض. ينبغي أن تكون مراقبة هؤلاء الأطفال في حالة استعجالية من طرف اختصاصي في التوليد واختصاصي في الأعصاب، وخاصة عندما يحدث كسر أو تمزق في هذه التشوهات التي تهدد حياتهم، مع خطر الإصابة بالتهاب السحايا، وأحيانا الوفاة.

وفي قسم جراحة الأعصاب، لم نتلق أي مصاب بالتشوهات بعد الولادة مباشرة، بينما نجري عمليات جراحية للأطفال المصابين بشكل عام في مراحل متقدمة إلى حد ما، مع كل المضاعفات التي تشمل هذه التشوهات.

 يطرح المشكل خاصة بالنسبة للأطفال المصابين والذين يطلق عليهم  myélo-méningocèles أو المصابين بالقيل الدماغية encèphaloceles الخلفية ( أما القيل الدماغية الأمامية فلها مشاكلها الخاصة)، مع المصابين بمرض استسقاء الرأس hydrocéphalies(ومو مرض يتميز بتراكم السائل النخاعي) في أغلب الحالات. وهناك مشكلة أخرى تكمن في صعوبة التخدير والعناية بهؤلاء الأطفال بعد العمليات الجراحية المستعجلة. إلى جانب ذلك، فإن إسقاط الغرز، والالتهابات الجلدية، والاتصال غير الطبيعي بالتهاب السحايا، يؤدي أحياناً إلى الوفاة، وكلها مضاعفات مشتركة لهذه التشوهات.

لقد سمح تطور الطب والعلاج المتعدد التخصصات للأطفال بالبقاء على قيد الحياة طويلاً، لكن مع إعاقات حادة على المستوى المعرفي والحركي.

ومنذ إنشاء مصلحة جراحة الأعصاب بمستشفى التخصصات، فإن جراحة طب الأعصاب لدى الأطفال اندمجت في ممارساتها اليومية. ومع تطور جراحة طب الأعصاب المتعلقة بالأطفال والتخدير العصبي منذ 1990، فإن هذا القسم أصبح المصلحة الوحيدة، بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط، التي تتولى علاج الأطفال الذين يعانون من أمراض الجهاز العصبي.

تضيف الدكتورة الريفي: “قد تم تمديد نشاطنا، من خلال العلاج في حالات الطوارئ بكل ما يتعلق بالجراحة العصبية لطب الأطفال الواردة على المستشفى. ونعمل عن كثب مع جميع المصالح في مستشفى الأطفال أساسا مع المصلحة الخاصة بحديثي الولادة ومصلحة المستعجلات الجراحية الخاصة بالأطفال (UCP)، والإنعاش، ومركز أمراض الدم وأورام الأطفال (CHOP).

تشغل جراحة طب الأطفال أزيد من 20 في المائة من هذا الأنشطة السنوية لأكثر من 20 عاما، إذ يتم علاج كل الأطفال، غير أن المشكل الرئيسي يطرح أساسا مع الأطفال حديثي الولادة، الذين يتطلبون عناية خاصة سيما في ما يتعلق بالتخدير والإنعاش والعناية بعد العمليات الجراحية، وأغلب العمليات التي أجريت هي لأطفال مصابين بتشوهات الأنبوب العصبي أو باستسقاء الرأس.

منذ شهر نونبر 2014، أجرينا حوالي 23 عملية جراحية للأطفال المصابين بالمستشفى، بعد تعاقد مع إدارة مستشفى الأطفال، وبينهم 5 مصابين بـ Spina Bifida”.

أهداف العمل

 تؤكد الدكتورة الريفي” الهدف الرئيسي لعملنا هو إظهار تجربتنا في علاج الأطفال المصابين بالتشوهات في الجهاز العصبي ومناقشة مختلف التقنيات الجراحية وهذه المؤشرات وفقا لنوع التشوه وإدارة الوقت، للبرهنة على أن تقديم المزيد من الدعم السريع للمواليد بأفضل النتائج، وتحقيق العمل الوطني الأول مع معظم الجراحين وأطباء الأطفال وطب الأعصاب، وللحديث عن البراعة التكنولوجية التي تقدمها الجراحة الخاصة بالأجنة، وخاصة لتعزيز البرنامج الوطني للوقاية من هذه الأمراض بالتعاون مع مركز مرجعي وطني لحديثي الولادة وبتغذية الطفل والأم في بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط.

بعد تغيير التشريع المغربي بفضل التدخل الحكيم لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، في ماي عام 2015، والترخيص بالإجهاض العلاجي إذا كان الجنين يعاني التشوهات الجنينية المعقدة والمسببة للعجز، لابد من حملة وطنية للتوعية والتحسيس، تقول الدكتورة الريفي،  ودق ناقوس الخطر من أجل التشخيص المبكر قبل الولادة بواسطة الموجات فوق الصوتية المرتبطة بعلامات بيوكيميائية، ينبغي أن يكون قبل 24 أسبوعا من انقطاع الحيض، للبحث عن التشوهات، ولمناقشة الإجهاض العلاجي. وتبقى الوقاية الأولية هي الحل المثالي لهذه التشوهات ونناقشها على التوالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى