نريد تطرفا في الفرح..

بقلم: إكرام عبدي
Ikramabdi555@gmail.com
صار يبدو من الصعب اصطياد الفرح من أشداق اليومي المتهافت واللاهث؛ في عالم تمور في أحشائه الكثير من الأهوال والحروب والأزمات، وتحجبنا عن سمائه السرية المبهجة العميقة الغور ستائر الموت والعنف والقلق واليومي المتسارع…، وإن فرحنا وفقا لأهواء المناسبة ومزاجها فرحا مقسّطا مكرورا، نوزع فيه عبارات المعايدة المطبوعة على شفاهنا جزافا، ونتباهى فيه بمشترياتنا بأكباشنا، بموائدنا، باكسسوارتنا، بألبستنا في مجتمع رأسمالي يستدرجنا على مهل إلى طاحونته الاستهلاكية الضارية، ويتواطأ بمكر مع كل هرولة وجشع وطمع ولهث وتفاخر وسطحية، وإن سعدنا مؤقتا بكل هذا، فغالبا ما نبصم بهجتنا العابرة بعبارة مسكوكة: “اللهم ما اجعله خير”، لتصير أرض الفرح أرض ملغومة مرعبة تفزعنا أكثر مما تبهجنا.ألا يليق بنا الفرح؟
نريد تطرفا في الفرح يضاهي هذا التطرف في الموت والحزن والاستهلاك؛ في تفاصيلنا اليومية في بيوتنا، في شوارعنا، في مسارحنا، في قاعات الدرس والتعليم… نريد فرحا حقيقيا ينبجس من الأعماق، نختلقه ونحياه، لا نظل ننشده ونحلم به، فرح لا يصطخب كبالونات ألوان مبهرجة، فرح يعشش في بيت لا تعد فيه البهجة إطاحة بهيبة الأب، يتهادي بشموخ في شوارع ربيعية زاهية متناسقة المعمار والألوان بشكل تنشرح له القلوب وتطمئن له الأفئدة، حيث لا تخشى فيها المرأة تحرشا ولا مضايقة، فرح يرقى في مسارح تضج بالموسيقى والرقص والغناء كأصناء حياة داخلية سرية، ويزهر في أقسام الدرس والتعليم ورودا وألوانا وطفولة وشغبا، يتيه في الوهاد البرية الخصبة لكتاب نسعد فيه بمراقي الروح والجمال ومدارجهما، فرح يضج في ملاعب كروية تقبل بالهزيمة وتنتصر للقادم، ويندلق عبر تشكيل جنوني في أفضية صار يطمسها فقر الخيال والإبداع.
الفرح شفيف بسيط بطبعه؛ ليس مكلفا ولا صعب المنال أو الاختلاق، والإنسان العربي ليس تراجيديا في ميولاته كما توهمنا الذهنية العربية الكلاسيكية، حيث عناصر الملحمة لا تكتمل إلا حين تبلغ التراجيديا قمّتها، هو يحلم أيضا بالترويح والترفيه عن نفسه كأي كائن اجتماعي، يحلم بفرحة حقيقية يعيشها في كل مناحي الحياة، ويستشفها في كل ما حوله، يحلم بغبطة عميقة تزلزل دواخله، وليس مجرد متعة مناسباتية فولكلورية عابرة، تمضي دون أن تقيم في أغواره.