انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

من كلية الآداب إلى شرطة الآداب 

بقلم: محمد طه الشتوكي

لقد قدم لنا مخيال السينما المصرية صورا كثيرة عن واقع فساد أخلاقي تتباين فيه الأحكام المجتمعية والقانونية ما بين إدانة وتقبل وتواطؤ. لكن يظل فيلم ملف في الآداب (1986)، من تأليف السيناريست وحيد حامد وإخراج عاطف الطيب، مثالا حيا على التحولات التي بثنا نرصدها في أيامنا هاته.

إذ أن التحول الذي يجسده الضابط سعيد (صلاح السعدني)، والذي سينتقل من شخص يقوم بمهامه ويحرص على تنفيذها بكل أمانة؛ إلى درجة أنه سيصل إلى تحدي رئيسه من أجل انفاذ القانون، إلى شرطي غارق في عدمية تحوله إلى دون كيشوت وهمي يسعى إلى بطولات وهمية. إذ سيرفع قلمه ويحبر بسواد الظلم صحائف الأبرياء.

إن سبب هذا التحول في شخصية الشرطي المثالي يعود إلى عجزه الخاص كفرد أمام لوبيات فساد متوحشة، وهذا ما جعله يصبح شخصية ذات نوازع تدميرية ترغب في تدمير الجميع والانتقام من النظام الفاسد ومن المجتمع وأيضا من نفسه. إنه لا يسعى إلى النجاح. إذ أن الفوز عند الشخصية السوية (والتي كان يجسدها في البداية) لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الاقتران بالفضيلة وتحقيق العدالة. وهذا ما يغيب عندما يكون الهدف هو الوصول إلى قرار الإدانة ولو بالتزوير وإنزال الباطل دون وجه حق.

إن هذا التحول الذي نرصده عند هذه الشخصية، أجده خير مثال على واقع الجامعة المغربية اليوم، والتي كانت تمثل كل قيم النبالة والرقي إلى درجة تكاد تقارب القداسة، أوليس الحرم الجامعي ذو قدسية وحرمة وهو يمثل محرابا للعلم، أوليس طلب العلم من العبادات؟.

لكن خيبة الأمل الكبيرة تكمن في هذا الإصرار العدمي على تحويل بعض الاخفاقات الفردية إلى إخفاق مؤسساتي منهجي، يسعى للإتيان على كل أخضر ويابس. صحيح أن المؤسسة الجامعية تعاني الكثير من الاختلالات، لكن ليس إلى حد أن نشيطنها ونشرعن مطاردة الساحرات بين أروقتها وساحاتها.

إن هذه الأحداث التي يسجلها الإعلام وتتابعها الأجهزة القضائية، على الرغم من فداحتها وخطورتها، فإنها لا تعدو كونها انتكاسة أخلاقية لبعض الأفراد تملكوا سلطة معنوية كان بالإمكان أن يحوزوها في أي مجال آخر (إدارة، مصنع، مزرعة ..). وبالتالي لا يمكن أن يطال سوء تقديرهم لأفعالهم المؤسسات التي ينتمون إليها. وعليه فهذه الأحداث لم ترقى إلى مستوى الظاهرة، وبالأحرى أن نتحدث عن “أزمة” مؤسسة الجامعة.

لذلك فالتدابير الاستعجالية التي اتخذت في إطار ما يمكن أن نسميه “حفظ ماء الوجه”، لربما قد تكون لها آثار جد سلبية في المستقبل. ولربما حينها سنتحدث عن الأزمة الحقيقية التي ستتولد عن “ردود الأفعال” المتسرعة، والتي ستكون آنذاك خلق أزمة ثقة حقيقية. إذ إذا ما فقدت الثقة في المكون الجامعي من أساتذة وطلبة وإداريين، وصار الكل ينظر بعين الريبة إلى الكل الآخر، حينها سنسقط في عدمية عبثية مثل تلك التي جسدها الضابط سعيد.
وسيصبح الاستهداف المجاني وبلوغ أي “إدانة” كيفما كانت ولو بالتزوير والتلفيق “قيمة” تحل مكان المُثُل والقِيم الحقة التي هي ماهية وجوهر الجامعات والكليات.

* رئيس شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس
كلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان  

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا