لن يتغير منحنى مواجهة الوباء إلا إذا تأكد أن الأغنياء سيصبحون مهددين بشكل أكبر

نجيب كومينة
اكتشف المتحور الجديد اوميكرون بجنوب إفريقيا حيث يتعثر التلقيح، بحيث لم يتعد عدد الملقحين 25% من ساكنة هذا البلد الغني مقارنة ببلدان القارة السمراء، و ليس معروفا ما إذا كان منشأ المتحور هو هذا البلد أو غيره، لكن ما يستفاد مما سبق أن عددا من بلدان إفريقيا لم يلقح إلا 5% من الساكنة، لأنها بلدان فقيرة ولا تملك وسائل كافية ليس للحصول على اللقاح، بل وأيضا لتتبع تطور الفيروس والتكفل بالمصابين به، ويعني أن احتمال تحور الفيروس هناك وارد جدا، وأن متحورات أخرى قد يتأتى لها الانتقال والانتشار، لأنه بات مستحيلا منع تحرك وانتقال الأشخاص بشكل شرعي أو سري، رغم الإجراءات اللاانسانية و الهمجية أحيانا التي تتخذها بعض بلدان أوروبا المهووسة بالهجرة، رغم حاجتها الماسة إليها فعليا لموا جهة الشيخوخة والتراجع السكاني ونقص اليد العاملة في العديد من القطاعات.
وبناء عليه، فان خطر توالي المتحورات له ارتباط وثيق بالأنانية القصوى والنزعة الرأسمالية اللتان ميزتا السلوك الغربي خصوصا، و سلوك بعض البلدان الصاعدة التي سارت على نفس النهج، بحيث تشير بعض المصادر إلى أن الدول المتقدمة خزنت ما يناهز 100 مليون لقاح، سينتهي تاريخ صلاحيتها في متم الشهر الجاري وسترمى في اللأزبال أو تحرق، بينما تركت البلدان الفقيرة في انتظار كوفاكس التي تمد بأعداد محدودة من اللقاحات على دفعات.
الراسمالية العالمية تحكم على الفقراء بالحرمان، كما تحكم عليهم الرأسماليات الوطنية، وتمضي بعيدا حتى في فترة وباء بحجم كورونا دون أن تتخلى عن شئ من طبيعتها وميلها إلى تركيز الميز في كل شئ، ورغم خطابات فضفاضة وفاقدة للمصداقية نسمعها هذه الأيام، فان شيئا لن يتغير بشكل جوهري في مواجهة الوباء إلا إذا تأكد أن الأغنياء سيصبحون مهددين بشكل أكبر، صحيا واقتصاديا، وما لم يوفروا اللقاحات والإمكانيات بالحجم المطلوب للفقراء وما لم يشمل بقية العالم ما يحصل لدى الأغنياء.
وإذا ما فرض الفيروس على الأغنياء التخلي عن عنجهيتهم وتعاليهم واحتقارهم للفقراء، فأننا سنكون آنذاك بصدد باراديغم جديد، لأن التضامن سيجد طريق العودة وستسقط النيوليبرالية بشكل نهائي لتظهر ملامح عالم جديد، لكن لا شئ مؤكد لحد الآن، لأن السياسيين المصلحين، من أمثال روزفيلت، غير موجودين في الواجهة حاليا، والتطورات الجارية في البلدان الغربية تكشف عن تطور العنصرية و الأنانية وسط المجتمعات، والمنظمات النقابية واليسارية والإنسانية التي كانت تحدث التوازن وتجعل الرأسمالية تشك في نفسها تعاني من ضعف غير مسبوق، بل وتتجه إلى الاندثار.