سمفونية الضوضاء..

بقلم: عائشة العلوي لمراني
نتعود على الضوضاء و نمل السكات يصيبنا بالضجر، يشعرنا بالوحدة فنلجأ إلى رفع صوت التلفزيون أو نصنع ضوضاء خافتة تصدر عن مناجاة الأشياء و استثارة االذكريات، التي استطال زمن حدوثها تضغطها الذاكرة و تسترجعها في رمشة عين، تؤثث زمن السكات..
ألفت الضوضاء الصادرة عن الشقة المجاورة لشقتي صراخ الأطفال و محاولة الجارة إسكاتهم باللطف تارة، و بالعنف أخرى. عندما التقيت بها مرة في الممر الفاصل بين الشقق و بعد السلام اعتذرت عن الضجيج الذي يحدثه طفلاها، و قالت في ما قالت أنها تحذرهم بكوني لا أحب الأصوات العالية، عاتبتها على ذلك فأحب شيء إلى سمعي صوت الأطفال، كانت الضوضاء الصادرة من شقة جارتي خليط من اللغة العربية و الريفية و الإسبانية، وارتطام الصحون بحوض الغسيل، و جر الكراسي، و هدير آلة التصبين و آلة طحن الخضرأو آلة العصير، وكنت أجد في ذلك سمفونية لا نشاز فيها، إلى أن رحلت جارتي فجأة وبدون مقدمات في الصباح الباكر لأحد الآحاد، فعم السكات زمنا…
عادت بعده الضوضاء فقد حول زوجها الشقة إلى استثمار تجاري أي للكراء، توالى المستأجرون المؤقتون، آخرهم أسرة وافدة من بلد إفريقي إلى بلدنا الإفريقي، تغير نوع و شكل و إيقاع الضوضاء، اللغة خليط من اللغة الأصلية و الفرنسية بتلك اللكنة الخاصة، و الأسماء الأوربية، جيراني الجدد يقضون نهارهم خارج البيت فيعم السكات، وعندما يعودون يبدأ النهار عندهم مع بداية الليل عندي و تبدأ حركة نزول وصعود المصعد التي لا تكاد تتوقف و الدق المتوالي لجرس الباب وقد يخطئ ضيوفهم فيقرعون جرس بيتي..
في إحدى الليالي سمعت أصواتا غريبة صلوات مسيحية مصحوبة بنشيج عال، وأصواتا تشبه صوت الريح عندما تصفر في أعواد القصب، خمنت أن الأمر يتعلق بتحضير الأرواح، أصابني هلع عابر، استرجعت بعده توازني فأخوف ما كنت أخافه ألا أغلق الباب فيقتحمه لص، أما الأرواح أو الأشباح التي تقتحم الجدران فهي بالنسبة لي خيال يسند أفلام الرعب، أو غرائبية الخرافات و الأساطير، سمعت باب جارة أخرى يفتح بقوة، و بقوة تطرق باب جيراننا ففتحت الباب بدوري أعزز احتجاجها، خرج أحد المقيمين في الشقة المعلومة يعتذر و يعتذر حتى كاد يركع، بعد هذا الحادث خفتت الضوضاء إلى الحد الذي أصبحت معه أفتقدها، إلى أن حدث حادث طريف ففي إحدى الليالي و بعد أن نمت شطرا منها سمعت جرس الباب فقلت لعل ضيوف الجيران أخطأوا جرس بابهم، غير أن إلحاح الجرس جعلني أتجه إلى الباب و أسأل بصوت غاضب من ؟؟
ـ Je suis la voisine
وبصوت أشد غضبا وجفاء : ماذا تريدين؟؟، قالت بلطف نسيت المفاتيح في قفل الباب، اضطربت خجلا فتحت الباب، استرددت المفاتيح و أنا أعتذر و أعتذر. استأنست أذناي بضوضاء الجيران .. سمفونية بدون نشاز.