انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

من حوارات د. محمد سبيلا : دفاعا عن العقل والحداثة.. الحداثة في العمق ثورة…



أجرت الحوار: عزيزة حلاق / سنة 2003

الجزء الأول

في 2003 أصدر المفكر محمد سبيلا ضمن منشورات الزمن، كتاب الجيب، بعنوان “دفاعا عن العقل والحداثة”، جمع فيه كثير من الحوارات الصحفية التي انصبت في مجملها عن مسألة الحداثة والتحديث، خاصة بعد الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء يوم 18 مايو 2003.

وقد كان لي الشرف أن يتضمن الكتيب، الحوار الذي كنت أجريته مع الأستاذ سبيلا، باسم جريدة ” السياسة الجديدة في 27 يونيو 2003″، بجانب صحافيين آخرين، من منابر مغربية وعربية:

نجد صحيفة الاتحاد الاشتراكي ومجلة الرافد- البحرين و مجلة الوعي المعاصر – بيروت ومجلة عالم التربية.

بعد رحيل هذا المفكر الذي يعتبر أحد رموز خطاب الحداثة في العالم العربي، يسعدني أن أعيد نشر الحوار بالصيغة الاليكترونية، في “بسمة نسائية”، بعد 18 سنة عن صدوره لأول مرة في جريدة ورقية.

وبالنظر لطول الحوار ارتأيت نشره عبر ثلاث أجزاء، الجزء الأول يحمل عنوان” الحداثة في العمق ثورة..”

تقديم:

ما علاقة الحداثة بالمشروع المجتمعي الحداثي؟

ما هي ابرز سمات الحداثة المرجعية؟ وأي علاقة للحداثة، كشعار يرفعه السياسيون، بالتحولات الكبرى التي اصبحت تميز المجتمع الحديث على مختلف الاصعدة الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والفلسفية؟

وكيف يمكن استنبات المستويات العميقة والكونية للحداثة في التربة المغربية؟ واي دور للنخب في صياغة وتنزيل المشروع الحداثي في المجتمع المغربي الذي ينوء تحت اثقال التقليد؟ وضمن هذا السياق، ما هي مضاعفات احداث 16 ماي واثارها على المسار التحديثي للمجتمع المغربي؟

*لنبدأ ذ. سبيلا، بسؤال نعتبره مدخلا للموضوع ويتعلق بمفهوم الحداثة الذي اشتغلتم عليه وألفتم حوله كتبا وترجمتم الكثير بصدده…ثم الحداثة كمفهوم وكتاريخ وكمرجعية معرفية وفلسفية وعلاقة هذا المفهوم بالمشروع المجتمعي الحداثي؟

-هناك التباس يطال مفهوم الحداثة، خاصة وانه خرج من سياقه الأكاديمي وأصبح شعارا سياسيا بالنسبة للعديد من الأحزاب والقوى العصرية والدولة نفسها، بحيث يلاحظ اليوم أنه ليس هنالك خطاب أو موقف إلا وتتم الإشارة فيه إلى المشروع الحداثي الديموقراطي. ولكن إذا كان مفهوم الحداثة قد أصبح شعارا سياسيا وأصبح فكرة تتبلور فيه اختيارات المجتمع واختيارات الدولة واختيارات القوى السياسية العصرية، فان ذلك لا يعكس بالضرورة وبشكل دقيق وعيا بكافة محتويات المفهوم، خاصة بأسسه الفكرية.

وقبل أن نذكر هذه الأسس، أقول إن ما يفهم من الشعار المطروح اليوم، والذي تكرر وترسخ أكثر بمناسبة أحداث 16 ماي الأليمة، هو أن المجتمع المغربي والنخبة المغربية قررا أن يسيرا في طريق الحداثة والتحديث، أي تحديث البنيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالانتقال التدريجي نحو نظام سياسي ديموقراطي قائم على أسس المشروعية التمثيلية والسيادة للشعب وكل ما ارتبط بالحداثة السياسية، إذن، المعنى المقصود أو المعنى الكامن في هذا الشعار كما يعرفه أصحابه هو التحديث السياسي، التحديث الاقتصادي والتحديث التكنولوجي. ولكن، البعد العميق للحداثة الذي يتجاوز هذا المستوى الأولي-الشكلي- هو أن المجتمع الحداثي الديموقراطي هو مجتمع الحرية، أي حرية الأفراد. فالحداثة مرتبطة بالحرية، بحرية الفرد وبمسؤوليته وبضمان هذه الحرية وبإعطاء الفرد والفئات الاجتماعية ( المرأة – الطفل) كافة الحريات.

فالحداثة في التجربة الغربية ترتبط بازدياد حصة الحرية وكمية هواء الحرية التي يستنشقها الأفراد.

وبجانب ارتباط الحداثة بفكرة الحرية، هناك ارتباط الحداثة أيضا بفاعلية الفرد ومسؤوليته. فالحداثة المرجعية ( ولا أقول الحداثة النموذجية ) تقوم على أساس إعطاء المسؤولية للأفراد وفاعلية الأفراد، إذ أن الفرد لم يعد خاضعا للتقليد.

 فتحرير الفرد من ضغوط التقاليد، ومن المسلمات ومن قوة الماضي، هذه نقطة أساسية في الحداثة والتحديث. فالحداثة لا تقوم على أفراد يستنسخون الماضي ويستنسخون التجارب الماضية القديمة العتيقة ويخضعون لحكم الأموات، بل الفرد الحر المسؤول الفاعل الواثق من نفسه (أو ما يقابل هذا، المواطن أي الشخص المسؤول عن الشأن العام )، الذي يعطي صوته ويراقبه ويتحكم بشكل أو بآخر في الفعل السياسي، وفي السلطة السياسية.

*إذن الحرية أولوية الفرد؟  

-نعم، وهناك أهمية العقل. فالعقل هو العنصر الثالث في المنظومة الفكرية للحداثة. وطبعا هذه هي الأسس الفكرية للحداثة. بمعنى انه في الحداثة يتم إعطاء أولوية للعقل على العواطف والانفعالات و الميتولوجيا والخرافات وغير ذلك…

لكن، عندما يرفع الساسة شعار الحداثة والتحديث فهم يقفون عند مستوى الظاهر من جبل الثلج، في حين يحب أن يعوا أن هذه المستويات العميقة هي البنية التحتية والخلفية للحداثة. أضف إلى ذلك عناصر أخرى كالابتعاد عن الإطلاقية في الأحكام لأن فكر الحداثة هو فكر النسبية والمشروطية.

*تقول أيضا في كتاباتك عن الحداثة أن من سماتها الفكرية الرؤية التاريخانية، ما معنى ذلك؟

-الرؤية التاريخانية، تعني إرجاع الأحداث إلى مسبباتها التاريخية الواقعية، لا إلى أية عوامل مجهولة. طبعا هذه بعض المعالم الكبرى الفكرية للحداثة التي هي بمثابة تحول ثقافي كامل.

خلاصة الفكرة هي أن هذه القوي التي ترفع شعار الحداثة والتحديث تقف عند التحديث التكنولوجي والتحديث السياسي والتحديث المؤسسي، وربما تحديث بعض العلاقات الاجتماعية.

*قد يطرح السؤال هنا عن وظيفة المثقفين في الفعل الفكري الحداثي؟

– من وظائف المثقفين أن يبينوا الأعماق والأبعاد العميقة للحداثة كتحول فكري في ثقافة المجتمع، وفي النظرة إلى الإنسان، وفي العلاقة مع الطبيعة وغيرها من المجالات…

*من هذا المنطلق وبهذا المعنى الذي تنطوي عليه المفاهيم والقيم الكونية للحداثة، هل يمكن استنبات هذه المفاهيم في التربة المغربية بخصوصياتها الثقافية والدينية والاجتماعية وبميراثها وثقل التقليد السائد الآن في مجتمعنا؟

-عندما نقول الخصوصية ونتمسك بها، فإننا نتخذها في كثير من الأحيان تكئة لمقاومة الحداثة. طبعا، يجب أن تنبع من الداخل، من الثقافة نفسها، بمعنى، أن ثقافتنا المغربية الإسلامية – العربية – العتيقة لم تتحول بعد إلى ثقافة حديثة وحداثية. لم تتحول إلى رافعة للتاريخ ومحركة له، وهذه إحدى التحديات الكبرى: لأن الحداثة ليست اكتساب تقنيات واستعمال طائرات وصواريخ وكمبيوتر وآلات كهربائية وفضائيات وغيرها…بل الحداثة قبل ذلك فكر ورؤية جديدة للعالم..طبعا، من المفروض على ثقافتنا أن  تتحدث وتتعصرن بحكم تطورها الداخلي واحتكاكها مع الغرب ومع الفكر العالمي. إذاك ستظل طبعا مشكلة الخصوصية والكونية المطروحة.ولكن، كل خصوصية ثقافية أو اجتماعية أو حضارية هي اليوم مطالبة بأن تتطور في اتجاه الكونية، وفي اتجاه التحديث الكوني وأن لا تتحول إلى عائق : لأن قدر العصر الحديث وقدر مجتمعات العصر الحديث هو أن تسير في هذا الاتجاه.

فالحداثة هي إلى حد ما قدر هذا العصر، وهذا الأمر الذي لا يود الكثير من الناس ، أن يفهموه، فالتمسك بالماضي وثقل الماضي والتماهي معه معناه أن المجتمع غير قادر على الارتماء في المستقبل، وأنه ما زال يستنجد بماضيه، وبأمواته وبأفكارهم، ويأتمر بأوامرهم رغم أنهم قد فنوا في قبورهم. لذلك فالحداثة في العمق ثورة…

يتبع

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا