انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

  في المامونية…صدفة غريبة يجب أن تُروى!!

صدفة أعادت اسم اغناثة الروندة إلى الحياة

الصور مأخودة من الفيلم

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

لم يكن صباح مراكش مختلفًا عن غيره، سوى بفنجان قهوة احتسيته في حدائق المامونية؛ هذا الفندق الذي لا يفيض فخامةً فحسب، بل يفيض ذكريات. التقطت صورة عابرة ونشرتها على صفحتي، ثم غادرت نحو الفندق المتواضع الذي أقيم فيه، غير مدركة أن شيئًا ما كان يتشكّل في الخفاء… شيئًا يشبه المصادفات التي لا تكون صدفة.

بعد ساعات، فتحت هاتفي لأجد رسالة من سيدة تُدعى خولة، تعمل مسؤولة في إدارة المامونية. أخبرتني أنها كانت تتحدث مع صديقتها عن جدّتها التي لا تملك عنها الكثير من المعلومات. لكن الجدّة ليست اسمًا عاديًا: اغناثة الروندة، واحدة من النساء اللواتي واجهن الاستعمار بشجاعة، وتركْن أثرًا صامتًا في تاريخ شهداء الحركة الوطنية بمدينة سلا العريقة.

بدأت خولة تبحث عن أي خيط يقودها إلى حكاية جدّتها… فلم تجد شيئًا على الإنترنت سوى مقال عن فيلم أنجزته حول عوالم نساء منسيات من مدينة سلا، ذكرتُ فيه المجاهدة اغناثة الروندة. كان ذلك وحده كافيًا ليُفتح باب لم تتوقعه.

لكن الجملة التي جعلتني أرتجف قليلًا كانت حين قالت لي:

“وأنا أبحث… شعرت بأن روح جدتي تدفعني. شيء ما حرّك قلبي في اللحظة نفسها التي كنتِ أنتِ فيها في الفندق”.

… وأخبرتني خولة، بصوت فيه شيء من الأسى، أنها لا تعرف حتى قبر جدّتها، وأن العائلة لم تُخبرها يومًا بمكان دفنها. كانت تظن أن الروندة رحلت بلا أثر… لكن القدَر كان قد خبّأ لها حقيقة لم تتوقعها.

ففي الفيلم الذي أنجزته منذ سنوات عن “نساء من عوالم منسية”، كنتُ قد اكتشفت ـ بعد بحث طويل ـ أن اغناثة الروندة دُفنت في حوش واحد مع متظاهرين آخرين سقطوا برصاص الاستعمار، إلى جانب خمسة من المجاهدين الذين قاوموا حتى اللحظة الأخيرة.

مشهد قبرها الجماعي ذلك، البسيط والصامت، كان من الأسرار التي لا يعرفها كثيرون…

دخلت خولة إلى صفحتي، فصادف أن وجدت منشوري على صفحتي بالفايسبوك، من داخل المامونية. دهشتْ. وكتبت لي فورًا بإحساس يشبه الانجذاب لا الاستفسار. أخبرتني أنها شعرت أن ما يجمعنا ليس مجرد تواصل عابر، بل إشارة… وأن روح جدّتها التي ظلت مهملة في التاريخ تريد أن تُروى حكايتها من جديد.

ورغم أنني كنت قد غادرت الفندق، حملت كلماتها صدقًا غريبًا… صدقًا لا يشبه العلاقات العابرة في العالم الرقمي.

أصرّت خولة على أن نلتقي غدًا، وقالت إنها تشعر بأن الموعد ليس لقاءً عاديًا، بل بداية رحلة قد تفتح أبوابًا مغلقة منذ عقود:

في تلك اللحظة، أدركت أن التاريخ لا يتقدّم وحده… بل يدفعه الذين عاشوه، ومن يحملون دمهم، ومن يلتقطون الرسالة في اللحظة المناسبة.

وغدًا، حين نلتقي، لن يكون على الطاولة مجرد حديث…

بل نداء من الروح إلى الروح، ومحاولة متأخرة لإنصاف امرأة قاومت ثم اختفت، كما اختفت كثيرات في عوالم منسيّة

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا