انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

عشتُ كرجل… وعدتُ امرأة لا تشبهني

حين لبست امرأة قناع رجل... 

ماذا لو كنتُ رجلاً؟

من هي المرأة التي لم تحلم يومًا بأن تعرف ما يدور في ذهن الرجل؟

الصحفية الأمريكية “نورا فينسنت” قررت أن تحقق هذا الحلم بطريقة غير مسبوقة: فقد تظاهرت بكونها رجلًا لمدة تزيد عن سنة، بهدف التوغل سرًا في عالم الرجال وفهم خباياه.

تحولت تحوّلًا جذريًا: أتقنت المظهر الذكوري من حيث الحركة ونبرة الصوت، واعتمدت تسريحة شعر قصيرة، ولحْية خفيفة مصنوعة من صوف الكريب، كما كانت تُخفي صدرها تحت ملابس واسعة. وهكذا ولِد “نِد”، مندوب المبيعات.

بدأت رحلتها في قلب عالم الرجال، متنقلة بين نوادي التعري وحانات الغزل وملاعب البولينغ، ووصلت حتى إلى دير للرهبان. استطاعت الاندماج داخل أكثر المجموعات انغلاقًا، بكل براعة.

وجاءت نتائج تجربتها صادمة ومخالفة للتصورات المسبقة؛ إذ قدّمت من خلالها نظرة جديدة على الرجال، نظرة يغلب عليها التفهُّم، بل وحتى التعاطف.

نورا فينسنت هي صحفية معروفة، كتبت لصحف مرموقة مثل لوس أنجلوس تايمز ونيويورك بوست وواشنطن بوست،وغيرها..

تحوّلت إلى “نيد”، لمدة 18 شهرًا، وعاشت متخفّية في جلد رجل، بحثًا عن الحقيقة:

هل الرجال محظوظون فعلاً؟

هل يحملون مفاتيح الهيمنة، أم قيودًا لا تُرى؟

توقعت نورا أن تجد عالمًا مريحًا خلف الأقنعة الرجولية… لكنها وجدت العكس.

في أماكن العمل، رأت كيف يُطلب من الرجال ألّا ينهاروا، ألّا يتراجعوا، ألّا يعتذروا.

وفي العلاقات، لم تجد نساءً يغرمن بها، بل نظرات رفض وقسوة جرحتها بعمق.

أما في التجمعات الذكورية، فصُدمت بصمت كثيف يخفي خلفه رجالًا يحملون آلامًا لا يُسمح لهم بمشاركتها، ولا حتى بالاعتراف بها لأنفسهم.

كل ما رأته هناك زلزل قناعاتها.

فعادت من التجربة مُثقلة، مكتئبة، عاجزة عن الرجوع إلى ذاتها القديمة.

دخلت مصحة للعلاج النفسي، واعترفت لاحقًا:

“لم أكن أعلم أن حياة الرجال بهذا القدر من الألم. كنت أظنها مليئة بالامتيازات. لكن ما رأيته كان وحدة، ضغطًا نفسيًا هائلًا وكبتًا دائمًا.”

في كتابها Self-Made Man، لم تهاجم نورا الرجال، بل دافعت عنهم.

كشفت عن هشاشة نادرًا ما يُسمح لهم بإظهارها. عن عالم داخلي مختنق بالصمت والتوقعات.

ورغم أن الهدف من التجربة كان توثيق الفروقات الجندرية، إلا أن النتيجة كانت صرخة إنسانية عميقة:

لكل جنس معاركه، ولكل إنسان هشاشته الخاصة.

وفاة نورا في 2022، بعد صراع مرير مع الاكتئاب، لم تكن خبرًا حزينًا فحسب، بل كانت بمثابة جرس إنذار.

إن التحيّز لا يُقصي النساء فقط، بل يجرح الرجال أيضًا.

وأن القوالب التي نحشر أنفسنا فيها – ذكورًا وإناثًا – قد تخنق أرواحنا بصمت.

نورا لم تكن تسعى لإثبات تفوّق جنس على آخر، بل كانت تصرخ باسم الجميع:

توقّفوا عن الحكم، وابدأوا بالإنصات.

فربما لا نحتاج لتبديل الأدوار، بل فقط… لنزع الأقنعة.

من زاويتنا العربية… هل نجرؤ على إعادة النظر؟

في مجتمعاتنا، اعتدنا أن نرى الرجل بصورة القوي، الصلب، المستفيد من الامتيازات، المُحصّن من الألم.

لكن تجربة نورا تُجبرنا على التمهّل في هذا التصور.

الرجل، هو الآخر، ضحية لقوالب صارمة تسجنه:

يُربّى على كتم مشاعره، يُمنع من التعبير عن هشاشته، ويُدفع أحيانًا إلى التصرّف بعدوانية أو تسلّط، لا لأنه ظالم بطبعه، بل لأنه لا يجد مخرجًا آخر لألمه سوى تغطيته بقوة واهية.

هذا لا يُبرّئه من مسؤوليته، ولا يُقلّل من نضال النساء ضد التمييز.

لكن فهم السياق النفسي والاجتماعي الذي يُنتج “الذكورة المؤذية” قد يكون مدخلًا أكثر عمقًا نحو التغيير.

فإنصاف النساء لا يكون بنفي هشاشة الرجال، بل بالاعتراف المشترك بأن القسوة على الذات والتضحية بالروح مقابل صورة نمطية، ليست بطولة… بل مأساة صامتة.

ربما آن الأوان لنُعيد رسم الصورة.

ليس لنتنازل عن حقوقنا كنساء، بل لنفهم عمق ما نطالب به:

عدالة إنسانية… تضع الإنسان أولًا، أيًّا كان جنسه، وتحتفي به كما هو، لا كما يُفترض أن يكون.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا