انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
اصواتهن

“خادمة لنجاحه… وغريبة عن نجاحه!”

الكدّ والسعاية... الثروة التي لا تُرى

انتهت مدة صلاحيتي ورُميت إلى الهامش ..

  بعد 40 سنة زواج.. خرجت ب 7000 درهم فقط.: بهذه العبارة تبدأ السيدة (ف.س) سرد حكايتها، بنبرة تمزج بين الألم وسخرية موجعة: “بدأنا من لا شيء. كنا نعيش في بيت مكتَرٍ، زوجي لم يكن يملك سوى دراجة هوائية، وعمل بسيط كمساعد  لجزار. كنا نحلم كثيرًا ونكتفي بالقليل… مشينا الطريق معًا، خطوة بخطوة، حتى صار له اسم بين تجار الجزارة، ونجح. لم ينجح وحده، كنت سنده، كنت شريكته في كل شيء. بنينا مشروعًا صار فيما بعد مصدر ثراءه.”

مرت السنوات، وتحسّن الوضع المادي. اشترينا فيلا، وكنت أنا من أثثها بكل تفاصيلها. كان لي خادمتان، وبيتي ينبض بالحياة… ثم، فجأة، ومن دون سابق إنذار، وبعد أربعين سنة من العِشرة، أعلن قراره:

“سأتزوج… أريد أطفالاً.” هكذا ببساطة. وكان الطلاق، وكانت الصدمة. أما مكافأة نهاية الخدمة؟ فحكم قضائي بـسبعة آلاف درهم فقط. تضيف بنبرة حزينة: أربعون سنة من الزواج، انتهى بي المطاف بهذا المبلغ الهزيل. خرجت كما دخلت… لا، بل في وضع أسوأ. دخلت وأنا شابة، أحمل أملاً في الحياة، وخرجت وأنا امرأة مسنّة، بلا بيت، بلا مورد… وحكم القاضي أعطاني 7000 درهم”.

يا لها من قصة موجعة، ومليئة بالمفارقات التي تقول الكثير عن الظلم الصامت الذي تتعرض له نساء كثيرات. نساء وهبن أعمارهن لبناء منازل غير مسجّلة بأسمائهن، وشاركن في صناعة الثروة دون أن تُدوَّن أسماءهن في العقود. استثمرن الجهد والعمر والعاطفة، وفي النهاية… خرجن كما يُستغنى عن قطعة أثاث مستهلكة، انتهت مدة صلاحيتها.

السبب؟ لا قانون يحمي “العمل المنزلي” ولا اعتراف حقيقي بـ”المشاركة في الثروة”. ذلك الجهد الأنثوي الخفي، الذي لا يُدرج في الوثائق، ولا يُحتسب في الأحكام… حتى اليوم.

هذه ليست حالة فريدة. إنها مرآة لواقع نساء كثيرات ظلّ عملهن داخل البيت وخارجه بلا تقدير ولا سند قانوني، إلى أن أعادت وزارة العدل فتح النقاش في ندوة دولية بالرباط سلطت الضوء على الإنصاف الاقتصادي للمرأة في حالات الطلاق.

“الاعتراف بقيمة العمل المنزلي واحتسابه في حالات الطلاق – تجارب مقارنة”

منذ عقود والحركة النسائية في المغرب ترفع مطلبًا جوهريًا بدا بسيطًا في ظاهره، لكنه ثوري في عمقه: الاعتراف بالقيمة الاقتصادية والاجتماعية لعمل النساء داخل البيوت، واحتسابه عند الطلاق، بدل اعتباره مجرد “واجب طبيعي” لا يُكافأ عليه. هذا المطلب عاد اليوم بقوة إلى واجهة النقاش، بعد إدراجه ضمن المقترحات الجديدة لمدونة الأسرة، في خطوة تعكس تحوّلاً تدريجيًا نحو الإنصاف.

المرجع ليس بعيدًا عن الثقافة المغربية نفسها، خصوصًا في الجنوب، حيث عُرف هذا الحق باسم “الكدّ والسعاية”، ويُقصد به مساهمة المرأة في تنمية الثروة المشتركة داخل مؤسسة الزواج، سواء من خلال العمل المنزلي، أو المساهمة المباشرة في المشاريع الفلاحية أو التجارية، أو عبر الرعاية غير المؤدى عنها التي تقدمها للأسرة، والتي تُنتج استقرارًا وبيئة صالحة لتراكم المال والممتلكات.

وليس الكد والسعاية مجرد مصطلح قانوني جديد، بل هو امتداد لأعراف قديمة متجذرة في الذاكرة المغربية. ففي بعض المناطق الشمالية مثل وزان وشفشاون، عُرف هذا الحق باسم “حق الشقا”، بينما يُطلق عليه في سوس الأمازيغية اسم “تامازالت”. ويمنح هذا العرف المرأة نصيبًا معينًا من مال زوجها إن طلقها أو تُوفي عنها، متى أثبتت مساهمتها في تنمية هذا المال، بمختلف وسائل الإثبات الممكنة. ما يؤكد أن الوعي بجهد المرأة في إنتاج الثروة لم يكن غائبًا في المجتمعات التقليدية، بل معترف به، وإن كان عرفيًا.

وزارة العدل المغربية فتحت هذا النقاش مؤخرًا خلال ندوة دولية نظمت بالرباط بشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا، تحت عنوان: “الاعتراف بقيمة العمل المنزلي واحتسابه في حالات الطلاق – تجارب مقارنة”. النقاش لم يقتصر على الحالة المغربية، بل امتد ليستعرض نماذج من فرنسا وإسبانيا، وسويسرا، بلجيكا وغيرها. النموذج الفرنسي، على سبيل المثال، رغم تقدمه، لا يخلو من إشكاليات.

ستيفنس هيبرارد، منسقة شعبة قانون الأسرة بمحكمة باريس، أوضحت أن تعويض العمل المنزلي بعد الطلاق في فرنسا يخضع لتقدير القاضي ولا يُحدد وفق مقياس دقيق، ما يجعل كثيرًا من النساء في وضع هش. وأشارت إلى أن المادة 271 من القانون المدني الفرنسي تضع مجموعة من المعايير مثل مدة الزواج، والسن، والوضع الصحي، والاختيارات المهنية أثناء الزواج، دون أن توفر طريقة رياضية أو معيارًا موحدًا للحساب.

بل إن الصعوبة الأكبر، حسب هيبرارد، تكمن في أن إجراءات الطلاق وتقسيم الممتلكات لا تجري بالتزامن، مما يُعقّد عملية التقييم العادل. وتبقى أغلب الأحكام مبنية على التقدير الشخصي للقاضي، مما يُعرّض النساء لعدم المساواة أحيانًا رغم وجود نوايا إنصاف.

نقاش كهذا يعيد التأكيد على أهمية أن تُبنى الإصلاحات القانونية في المغرب على وضوح في المعايير وضمانات قوية في التنفيذ، حتى لا تتحول نوايا الإنصاف إلى مجرد “هامش تقديري” قد يُنصف امرأة ويظلم أخرى.

اليوم، يبدو أن هناك وعيًا رسميًا متزايدًا بأن “العمل المنزلي” ليس واجبًا عاطفيًا أو أخلاقيًا فحسب، بل هو مساهمة اقتصادية حقيقية تستحق التثمين والاعتراف. وإن إقرار حق الكدّ والسعاية ضمن مدونة الأسرة لن يكون فقط إنصافًا للنساء، بل هو تصحيح لمسار عدالة ظلت عرجاء لعقود.

فهل تترجم هذه النقاشات إلى نصوص قانونية عادلة تضع حدًا لعبارة “هي مجرد ربة بيت”؟ وهل نشهد قريبًا مغربًا يعيد الاعتبار لنساء ظللن في الهامش رغم أنهن كنّ الأساس؟

 

 

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا