حين تخرج المرأة للاحتجاج في مجتمع محافظ، فليس من باب الاستعراض، بل تتحول خطواتها إلى صرخة مدوية تقول فيها: “كفى! لم يعد الوضع يحتمل“.
في تلحيانت، خرجت النساء حامِلات أطفالهن على الظهور والأعلام في الأيدي، مطالبات بما ينبغي أن يكون بديهياً: طريق، ماء، مستشفى، وكرامة.
هذا الحراك السلمي، الذي تردّد صدى صوته على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس مجرد احتجاج آنٍ، بل تجسيد لعقود من التفاوت المجالي بين المركز والأطراف، وتجربة واضحة على أن التنمية لا تنجح إذا لم تُصغَ أصوات النساء وتُدمج في قلب القرار.
ما شهدته تلحيانت ليس منعزلاً، بل يأتي ضمن سلسلة من الاحتجاجات النسائية التي عرفتها مناطق أخرى من المغرب. قبل ذلك، خرجت نساء مدينة فكيك، مرتديات “الحايك” الأبيض التقليدي، لإحياء الذكرى الثانية لما بات يُعرف بـ”حراك الماء” الذي اندلع عام 2023 ضد تفويت تدبير قطاع الماء الصالح للشرب إلى شركة جهوية.
المسيرة في فكيك كانت رمزاً صامتاً للتمسك بالأصل والهوية، حيث اعتُبر الماء حقاً تاريخياً وجزءاً من الذاكرة الجماعية للواحة.
المأزق بنيوي، فالتنمية التي لا تستمع للنساء ولا تدمجهن في قلب القرار مصيرها الفشل. فهن أول من يشعر بانكسار الطريق وغياب الماء والمستوصف، وآخر من يستفيد من المشاريع المعلّقة. وربما كانت لجنة النساء العشر التي التقت بعامل الإقليم خطوة رمزية، لكنها تحمل رسالة قوية: لا تنمية بدون إنصات، ولا كرامة بدون عدالة مجالية.
نساء تلحيانت لم يخرجن فقط من أجل طريق معبد، بل من أجل أن يُسمع صوتهن، وأن يُعترف بوجودهن في وطن يفترض أن يسع الجميع..
الربط بين تلحيانت وفكيك يكشف عن أمرين مهمين: أولاً، أن النساء غالباً ما يكنّ أول من يشعر بانكسار البنية التحتية وغياب الخدمات، وآخر من يستفيد من المشاريع الرسمية؛ وثانياً، أن المرأة لا تناضل فقط من أجل حقوقها الفردية، بل تحمي الذاكرة والموروث الجماعي لمجتمعها.
لقد قالت الجبال والواحات كلمتها بصوت النساء هذه المرة: “نريد أن نعيش، ببساطة، كما يعيش الآخرون”، وفحين تخرج المرأة في حراك سلمي، تتحول هذه الصرخة إلى أيقونة للصمود، تكشف عن عمق الأزمة وتؤكد دورها في الحفاظ على الهوية والذاكرة والموروث الجماعي
