من الموضة إلى الماس… الصين تصنع تفوقها بصمت

بينما يتجادل الغرب حول السوق والسياسة، كانت الصين تبني بهدوء قوتها في المختبرات.


قبل أشهر قليلة فقط، هزّت الصين أسواق الموضة العالمية حين كشفت عن قدرتها على تصنيع منتجات أشهر العلامات الفاخرة، من الحقائب الجلدية إلى الإكسسوارات، بجودة مطابقة للأصل، وبأسعار بخسة لا يستطيع الغرب مجاراتها.
في ذلك الوقت، خرج موظف صيني ليكشف المستور قائلًا:
“نحن نصنع الحقائب الفاخرة في مصانعنا هنا في الصين، تمامًا كما تفعل علامات مثل هيرميس وغيرها، لكن تلك العلامات تضيف لاحقًا عبارة صُنع في فرنسا أو إيطاليا لتعزيز صورة الفخامة. ولو اعترفوا بأنها صُنعت في الصين، لانهارت أسعارها في الأسواق وتراجعت أسهمها في البورصات.”
كانت تلك الضربة الأولى التي أظهرت أن التفوق الصيني لم يعد يقتصر على الإلكترونيات والتكنولوجيا، بل بات يمتد إلى ميادين الرفاه والترف التي طالما احتكرها الغرب.
واليوم، تتجه الأنظار من جديد نحو بكين، وهي توجه ضربتها الثانية، لكن هذه المرة ليست في الموضة، بل في عمق الاقتصاد العالمي: المعادن النادرة وصناعة الماس الصناعي.
فبينما ينشغل الغرب بخطابات السياسة ومزايدات السوق، كانت الصين تبني في صمت مراكز أبحاث استراتيجية تعمل بمنهج الدولة لا بمنطق المزايدة. في هذه المختبرات الهادئة، بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، استطاعت بكين أن تطور تكنولوجيا استخلاص المعادن النادرة بكلفة أقل وفعالية أعلى، لتتحول اليوم إلى اللاعب الأكثر تأثيرًا في خريطة الاقتصاد العالمي.
المعادن النادرة، التي تدخل في صناعة الشرائح الإلكترونية، والبطاريات، والطائرات المقاتلة، وحتى الهواتف الذكية، أصبحت الورقة الذهبية التي تمسك بها الصين بإحكام. الغرب الذي كان يبيع مواد “ربحية” دون مجهود إنتاجي حقيقي، وجد نفسه فجأة رهينة لاقتصاد يعتمد على هذه المعادن التي تحتكر الصين معظم إنتاجها ومعالجتها.
وكان المفاجئ أكثر هو تطوير صناعة الماس بشكل مبهر لا يمكن التفريق بينه وبين الماس الأصلي المستخرج من الطبيعة.
فينما يحتاج تكوّن الألماس الطبيعي إلى مليارات السنين في أعماق الأرض، تنتج الصين اليوم، أكثر من 20 مليون ألماسة خلال أسبوع واحد فقط داخل معاملها المتطورة.
هذا الرقم الهائل يعكس حجم الثورة الصناعية التي تقودها بكين في مجال الأحجار الكريمة، حيث باتت معاملها تضخ الألماس الصناعي بوتيرة غير مسبوقة، ما يهدد مكانة الألماس الطبيعي ويعيد تشكيل السوق العالمي.
ندرة الألماس لا ترتبط بعمره فحسب، بل أيضًا بظروف جيولوجية استثنائية، إذ لا يظهر على السطح إلا بفعل ثورات بركانية نادرة تنقل صخور “الكيمبرلايت” أو “اللامبرويت” من أعماق الأرض إلى أعلاها، لتجعل من كل حجر ألماس طبيعي توقيعًا فريدًا للزمن والجيولوجيا معًا.
وبفضل بنيتها التحتية الضخمة ودعمها الصناعي الهائل، أصبحت الصين اليوم اللاعب الأكبر في سوق الألماس الصناعي، إذ تنتج كميات تفوق قدرة أي دولة أخرى، ما قلب موازين السوق العالمية وأعاد تعريف مفهوم “الندرة“.
ولتقريب الصورة، يُكلّف الألماس الصيني المصنَّع في المختبرات ما بين 30% و70% أقل من نظيره الطبيعي. وبينما كان الغرب منشغلاً بالجدل حول السوق والسياسة، كانت الصين تبني بهدوء قوتها الحقيقية… في المختبرات.



