انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

بعد أن خف الحجاب عن رؤوس الايرانيات..هل يخف عن عقول الساسة؟

حديث بسمة/ عزيزة حلاق

 

تصوّر أنك امرأة تعيش حياة عادية. تستقل المترو أو الحافلة للذهاب إلى العمل أو إلى الجامعة. تلتقي مع الأصدقاء. وقد تكون قادراً على شراء هاتف ذكي وتستمتع بنشر صور ذاتية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تكون محظوظاً في بعض الأحيان إلى حد القيام بنزهة على الشاطئ وتشعر بنسيم البحر يداعب شعرك.

والآن تصوّر أن عليك، قبل أن تجتاز عتبة البيت، وتقوم بأي من هذه الأشياء، أن تتوقف وتتفحص ما إذا كنت قد أخفيت شعرك بالشكل المناسب بغطاء الرأس، وأنك قد أحكمت تغطية ذراعيك وساقيك.

قد يبدو هذا مبالغاً به، ولكن من الممكن أن تواجه عواقب وخيمة إذا لم تعر كل هذا الاهتمام بالقدر الكافي..

قد يبدو هذا مجرد مبالغة من صنع الخيال، ولكنه ليس كذلك. فهذا هو واقع الحال بالنسبة لملايين النساء والفتيات في إيران، حيث تتحكم الدولة إلى حد كبير بجسد المرأة.

(من صفحة أمنيستي).

مناسبة هذا التقديم، هو ما يحدث في هذه الجمهورية الاسلامية هذه الأيام، حيث يبدو كأن إيران تُعيد اكتشاف ذاتها.

فهذا البلد الذي طالما ارتبطت صورته في الوعي الجمعي بالنساء المحجبات إجباريًا، والشرطة الأخلاقية، والحدود الصارمة بين المسموح والممنوع، يجد نفسه الآن أمام مشهد مختلف: نساء يمشين في الشارع دون حجاب، بألبسة عصرية، وكاميرات الهواتف تُوثق لحظة التحول، وكأن التاريخ يُكتب من جديد، ولكن بجرأة أنثوية هذه المرة.

التصريحات التي أطلقها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، حين قال إنه لا يؤمن بفرض الحجاب، وإن “الإكراه لا يحافظ على القيم الدينية”، لم تمرّ مرور الكرام. فبمجرد أن خرجت من فمه، حتى تحولت إلى كرة نار تتدحرج بين التيارات السياسية والدينية، وتُشعل جدلًا لا يهدأ: هل تغيّر فعلاً شيء في إيران؟ أم أن الكلام مجرد تهدئة للشارع بعد سنوات من الغضب المكتوم؟

المفارقة أن الحديث عن “تخفيف المراقبة والعقوبات” على النساء اللواتي لا يضعن الحجاب، جاء بعد شهور من الصمت الثقيل الذي أعقب احتجاجات مهسا أميني. وكأن النظام أدرك، متأخرًا، أن السيطرة على الجسد لا تعني السيطرة على الفكر. وأنّ الشعوب، خصوصًا النساء، حين يصلن إلى مرحلة الرفض، يصبحن أكبر من القانون، وأقوى من الخوف.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم:
حين تُخفّف السلطة من غطاء الرأس، فهل تُخفّف أيضًا من حجاب العقل؟
هل تسمح للمرأة أن تفكر، أن تعبّر، أن تختار، أم أن الحرية تُمنح فقط في حدود ما يُظهره الجسد لا ما يُنتجه العقل؟

إن الحجاب، في جوهره، لم يكن يومًا مجرد قطعة قماش. هو رمزٌ متعدد القراءات. حين يُفرض بالقوة، يتحول إلى قيد، وحين يُختار عن اقتناع، يصير حرية. لكن المشكلة لا تكمن في “الحجاب” نفسه، بل في عقلٍ رسميّ يرى المرأة مشروع خطر، وجسدًا يحتاج إلى رقابة دائمة، وصوتًا يجب أن يُهذَّب أو يُكمَم باسم الأخلاق.

التحول الجاري في إيران لا يمكن قراءته فقط من زاوية اللباس، بل من زاوية أعمق: ما الذي تغيّر في طريقة تفكير الدولة؟ وهل هناك استعداد فعلي لأن يكون الحجاب خيارًا لا فرضًا، والحرية مسؤولية لا تهمة؟

ربما لن يحدث ذلك قريبًا. فالتاريخ في هذه المنطقة لا يتقدم بخط مستقيم، بل بخطوات مترددة، وأحيانًا بخطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء. لكن مجرد أن نرى فتيات يسرن في الشارع دون خوف، وأن نسمع رئيسًا يقول “لا للإكراه”، فذلك وحده بداية كسر حجابٍ رمزيٍّ آخر: حجاب الخوف.

في النهاية، الحجاب الذي تحتاجه المجتمعات ليس ذاك الذي يُغطّي الرأس، بل ذاك الذي يقي العقول من الجهل، والقلوب من القسوة، والسلطة من التحكم.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا