انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

من “عرس بنت نجاة” إلى “تشرد بدر”…

البوز يلتهم العقول!

يبدو أننا دخلنا زمن العبث، تُدار فيه عقول الناس بخوارزميات الإلهاء لا بخطابات السياسة، زمنٌ صار فيه “الترند” هو الموجّه الأول للرأي العام، و”البث المباشر” أداة لصناعة الوهم الجماعي. فكلما احتد النقاش حول قضايا الوطن، أو ارتفعت الأصوات للمطالبة بالإصلاح والعدالة، انطلقت ماكينة “البوز” لتنتج قصة تُشعل المنصات وتُطفئ التفكير.

فبعد بث زفاف ابنة الفنانة “نجاة اعتابو” مباشرة على وسائل التواصل، وما تلاه من صدمة الجمهور حين اكتشف أن العريس متزوج، تحوّل الحدث إلى قضية رأي عام، وكأن مستقبل الأمة معلّق على تفاصيل الزفاف!

وتحوّلت النقاشات إلى محاكم مفتوحة: من كان يعلم؟ ومن خدع من؟

وما إن هدأت العاصفة، حتى خرج علينا قضية أخرى لا تقل “أهمية”، قضية “بدر” الذي سرقته زوجته 900 مليون سنتيم، ليعيش بعدها حياة التيه والتشرد، وتُفتح الكاميرات لمتابعة مأساته لحظة بلحظة، كأنها مسلسل رمضاني يُعرض في غير وقته. وفي ظرف أيام، صار الرجل نجمًا تتنازع القنوات والمنصات على استضافته، بينما ملايين المغاربة يتابعون تطورات قصته وكأنها قضية مصيرية، ويتبادلون التحليلات كأنهم محققون محترفون في جرائم الحب و المال و الخيانة .

وفي خضم هذه الفوضى الافتراضية، انطلقت شرارة جيل “Z”، التي حرّكت الشارع في أكثر من مدينة، وفتحت الباب أمام نقاش عميق حول الشغل، والعدالة الاجتماعية، وكرامة الشباب، والفساد.

لكن الغريب أن “صحافة “البوز” بدت كأنها في إجازة مفتوحة، صامتة أمام قضايا الشباب، منشغلة فقط بتحليل إشكاليات عويصة تشغلها عن كل شيء:

هل دخل العريس ببنت نجاة أم لم يدخل بها؟

وهل سرقت طليقة بدر المبلغ أم لا؟

كأن ما يهم الناس اليوم ليس تراجع الحقوق أو انهيار الثقة، بل حقيقة ما وقع لبنت نجاة و”الثراء المزعوم للبيلوط لبدر”!

في كل مرة، تتكرر نفس اللعبة: قصة تشدّ الانتباه، دموع على الهواء، وجدالات تافهة تُغطي على الأهم. وفي الخلفية تمرّ السياسات بلا مساءلة، ويُنسى الغلاء، والبطالة، والتعليم، والصحة، وكأننا نعيش في مسرح كبير يديره “المخرج الأعظم” المسمّى “خوارزمية البوز”.

ما يجري ليس صدفة، بل تجسيدٌ لما يمكن تسميته بـ”سياسة الإلهاء”، حيث تُنتعش صحافة الفضائح وتغيب الصحافة التي تُسائل وتُنير. أصبح بعض المؤثرين بمثابة “وزراء ظلّ” للرأي العام، يصوغون أولوياته، ويحدّدون ما يستحق النقاش وما يجب أن يدفن في الصمت.

لكن الأخطر من كل ذلك أن يتحول هذا الواقع إلى منهج دائم لإسكات الوعي، حيث يُخنق صوت الصحافة الجادة بين ضجيج “البوز” وقيود الرقابة، فينكمش الفضاء العام، ويُترك الرأي العام رهينة التفاهة والفرجة الرديئة.

وهكذا، حين يصبح “اللاحدث” هو الحدث، وحين يُقاس النجاح بعدد المشاهدات لا بوزن الفكرة، نكون فعلاً قد دخلنا مرحلة تفريغ العقول من المعنى.

فهل ندرك أننا لا نخسر فقط وعينا، بل نخسر “حرية الكلمة”، آخر ما تبقّى من ملامح المجتمع الحي؟

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا