انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
رأيهم

الحمار والحصان الخاسر!

بقلم: جمال بودمة

منذ بداية الحرب على غزة، اكتشف البعض هواية جديدة: السخرية من المقاومة، والتشكيك في جدواها، والتنقيص من صمودها. رغم أن المقاومة ردّ فعل بديهي، يرتبط بالكرامة الإنسانية ورفض الظلم والمهانة، بعيدا عن الأيديولوجيا والسياسة. لكن يبدو أن هناك من لا يزعجه أن يعيش ذليلا، لذلك يستخف بالفكرة، ليس في المغرب فحسب، بل في كل العالم العربي. وإذا كان البعض يصنع ذلك تلقائيا، بسبب استلاب تاريخي وسياسي وثقافي مركّب، فإن آخرين يصنعون ذلك بمقابل، لحساب غرفٍ سرية ترصد لها إسرائيل ميزانيات ضخمة، كي تحقق هدفا استراتيجيا لا يقلّ قيمة عن المجهود الحربي: رعاية “الهزيمة” بين الشعوب العربية، لأن الهزيمة المعنوية تمهِّد للهزيمة العسكرية، التي مازالت صعبة التحقق رغم سنتين من الحرب الهمجية، التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

إسرائيل لم تستطع تحرير رهائنها في غزة، رغم قتل سبعين ألف فلسطيني، وتدمير القطاع عن بكرة أبيه، وتشوّه صورتها في العالم، مازالت تفقد جنودا في المواجهات، وتعاني من ضغط عائلات الرهائن الذين يتظاهرون يوميا لوقف الحرب، وتخسر معركة الرأي العام العالمي. لكن تلّ أبيب تملك لوبيات متغلغلة في العالم العربي، داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية والإعلامية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، مهمتها تعهّد فكرة الهزيمة بيننا، والاطمئنان على صحتها، وعلى أنها تسكن في الرؤوس والألسنة، ودفع الناس إلى التطبيع مع الخيانة والجبن والاستسلام. لقد استطاعت الدولة العبرية أن تجند في كل بلد عربي جماعة تصيح ضد التيار : “كلنا إسرائيليون”، تملك ما يكفي من الإمكانيات، كي تزرع الشكّ وسط الرأي العام، وتحمّل مسؤولية ما يحدث من إبادة في حق شعب مستعمَر وأعزل إلى المقاومة، بدل تسمية الأشياء بمسمياتها، والمطالبة بتوقيف مجرمي الحرب.

القضية لم تبدأ في 7 أكتوبر. ببساطة، هناك شعب يرزح تحت الاحتلال منذ 1947، ويريد أن يستقلّ، وكما في كل الحالات المشابهة عبر التاريخ، يلجأ شعبه إلى المقاومة، بما لها وما عليها… كيف نتجرأ على الاستخفاف برجال يقاومون من أجل تحرير أرضهم؟ لا يمكن أن يصنع ذلك إلّا جاهل مستلَب أو من يتقاضى راتبا لترويج الأباطيل. ولو جارينا منطق المشككين في المقاومة، فإنّ عمر المختار وبنعبد الكريم الخطابي وعلال بنعبد الله ومحمد الزرقطوني والعربي بنمهيدي وتشي غيفارا ونيلسون مانديلا وغي موكيه… وغيرهم من الأبطال الذين يضيئون ليل التاريخ، كلهم مجرد مغامرين متهورين، ولو تبعنا رأيهم لما استقلت الجزائر وفيتنام ولا المغرب ولا حتى فرنسا من النازية، ولكان الأبارتايد مستمرا في جنوب أفريقيا !

ربما أخطأَتْ حماس في حساباتها، حين اعتبرت أن ورقة الرهائن ستجعل الردّ الإسرائيلي محدودا، لكن المؤكد أنها كشفت وجها غير معروفٍ للبشرية في القرن الواحد والعشرين، إذ لم يكن واردا في الحسبان أن ثمانين عاما بعد الحرب العالمية الثانية ومحرقتها، سيتفرّج  العالم على إبادة جماعية بالألوان، ولا يحرك ساكنا. لا بدّ أن تكون الإبادة بالأبيض والأسود كي نتعاطف مع ضحاياها. لا أحد كان يتوقع أن ضمير العالم مات وشبع موتا، حماس فضحت ذلك. ولا أحد كان يظنّ أن إسرائيل يمكن أن تبدّل عقيدتها، وتتخلى عن الرهائن، من أجل مكاسب سياسية وحدودية، وكي يفلت رئيس وزراء متطرف من العدالة!

حماس كشفت أيضا للدول العربية ما ينتظرها إذا انهار ما يسمى ب”محور الممانعة”. إسرائيل لا تعرف حليفا أو صديقا، ولا تحفظ عهدا أو ميثاقا، ويمكن أن تلجأ إلى أحقر الأساليب من أجل مصلحتها، كما صنعت مع قطر. الدولة التي تتوسط من أجل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ويفترض أن علاقاتها جيدة مع الدولة العبرية، ولا تنفّذ إلا ما تطلبه حليفتهما المشتركة، واشنطن، بما في ذلك استقبال قيادة حماس.

حماس كشفت لدول الخليج أن “المكسي بحوايج الناس عريان”، وأن “المظلة الامريكية” مثقوبة وينفذ منها الماء، رغم أنها تصرف مقابلها مليارات الدولارات وتلعب من أجلها أدوارا قذرة… الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تتخلى عنها بسهولة إذا وافق ذلك مصلحتها. إذا كانت واشنطن لم تأخذ علما بالضربات الإسرائيلية على الدوحة إلا في آخر لحظة كما يدعي ترامب، لماذا لم تطلق ولو صاروخا واحدا في اتجاهها، من قاعدتها العسكرية الأكبر في المنطقة، المجهزة بكل ما يلزم من عتاد حربي ودفاعات جوية، وعشرة آلاف جندي؟ يا له من ضحك على الذقون !

قبل السابع من أكتوبر كانت اسرائيل توسع مستوطناتها في الضفة الغربية وتمارس الحصار على قطاع غزة، وفي الوقت ذاته توقّع اتفاقات تطبيع مع الدول العربية لتصفية القضية الفلسطينية، التي لم يعد يتحدث عنها أحد. حماس اجتهدت، ورمت حجرا كبيرا في البركة، وأعادت القضية إلى الواجهة، وحتى لو افترضنا أنها أخطأت فلها أجر المجتهد، المقاومة لا تشتغل بعقود تأمين !

الحقيقة أن من يزايدون على المقاومة الفلسطينية هم مجرد أرانب سباق لنتانياهو في تهافته المحموم على رسم شرق- أوسط جديد والدفع قدما بحلم إسرائيل الكبرى… بعضهم بمقابل، وآخرون مجاناً، بشكل تطوعي. من يده في الماء ليس كمن يده في النار، يمكن أن تنتقد كما أردت نتائج السابع من أكتوبر، وتعتبرها مغامرة غير محمودة العواقب، وتسخر من حركة حماس لأنها “تسببت في

تدمير غزة”، تذكّر فقط أن المثل اليوناني يقول: “الحمار لا يشارك أبدا في سباق الخيل، ولكنه يضحك دائمًا على الحصان الخاسر !”

عن موقع “نيشان”

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا