صرخة جماعية: لن نترك سلمى وحدها..

“حكاية سلمى… مأساة تتكرر“
مأساة جديدة تُضاف إلى سجل طويل من الجراح المفتوحة في جسد النساء المغربيات. سلمى، شابة من القنيطرة، لم تكن سوى واحدة من آلاف العاملات اللواتي يواجهن يوميًا قسوة الاستغلال ووطأة “الحگرة”.
مما يعتصر القلب ألمًا، أن سلمى طالبة في السنة الثانية بجامعة ابن طفيل، دفعتها ظروفها الاجتماعية الصعبة لامتهان العمل المنزلي لتغطية مصاريف دراستها وحاجياتها اليومية. أثناء عملها، تعرضت لحادث خطير بعد انفجار طنجرة ضغط في وجهها داخل المنزل الذي تشتغل فيه، مما تسبب لها بجروح بالغة. خرجت محروقة الجسد والكرامة، ومطرودة إلى الشارع، متهمة زورًا بالسرقة.
ورغم توسلاتها بنقلها إلى المستشفى قصد تلقي الإسعافات الضرورية، تجاهلت ربة المنزل خطورة وضعها الصحي واكتفت بشراء مرهم من الصيدلية، في وقت أكد فيه الصيدلي نفسه ضرورة توجهها الفوري إلى قسم المستعجلات. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ سارعت المشغلة إلى حبك سيناريو آخر، فتقدمت إلى الشرطة بشكاية تتهم فيها سلمى بالسرقة. غير أن التحقيقات الأمنية برّأت الطالبة بالكامل، مما دفعها إلى رفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض وجبر الضرر.
قصة سلمى تفضح هشاشة القوانين القائمة، وعلى رأسها القانون 19.12 المتعلق بالعاملات والعمال المنزليين. قوانين مكتوبة بلا روح، عاجزة عن حماية الفئات الهشة، تظل حبرًا على ورق في غياب مراقبة صارمة وآليات إنفاذ فعالة. فلا حماية اجتماعية، ولا ضمانات صحية أو قضائية تكفل للنساء حقهن في العمل بكرامة وأمان.
قصص لم تُنسَ
خديجة… جسد محفور بالنار
طنجة، 2017: طفلة بالكاد في سن المراهقة تعمل خادمة، وُجدت ضحية تعذيب ممنهج: ضرب، حرق، وتجويع. جسدها الصغير كان دفترًا كُتبت عليه أبشع صور العنف الأسري والطبقي.
فاطمة… سقوط في صمت
مراكش، 2019: سقطت فاطمة من سطح منزل مشغليها أثناء تنظيف النوافذ. خرج جسدها عاجزًا، لكن الأشد وقعًا كان غياب أي مساءلة قانونية أو إنصاف.
مليكة… وصمة بلا دليل
الرباط، 2021: سنوات من الخدمة في بيت واحد انتهت بتهمة سرقة بلا دليل. برأها القانون، لكن المجتمع لم يرحمها، وظلت كلمة “خادمة سارقة” تلاحقها.
طفلات البوادي… طفولة مسروقة
آلاف الطفلات القرويات يُسلمن للعمل بأجور زهيدة، بلا مدرسة، بلا طفولة، بلا أفق. قصصهن لا تصل إلى الإعلام ولا إلى المحاكم. إنهن الوجوه غير المرئية لـ”الحگرة” اليومية.
سلمى وأخواتها: جرح في جسد القانون
القانون موجود، لكنه عاجز. أوراق بلا روح، وعالم بلا رحمة. حماية اجتماعية؟ ضمانات صحية أو قضائية؟ كلها شعارات على الورق، بينما النساء يُتركن وحيدات في مواجهة الاستغلال.
صرخة جماعية
سلمى اليوم ليست مجرد اسم، إنها صرخة نسوية جماعية: ضد نظام يضاعف اضطهاد النساء، ضد عقلية ترى في الخادمات أدوات قابلة للاستعمال والرمي، وضد سلطة تشرعن “الحگرة” بالصمت والتواطؤ.
إنصاف سلمى مسؤولية جماعية، ومعركتها هي معركتنا جميعًا من أجل مغرب الكرامة والحرية والعدالة. معركة ضد النار التي أحرقت سلمى، وضد كل نظام يصر على إحراق النساء في صمت.
فلنرفع جميعًا هذا الصوت:
لن نترك سلمى وحدها.