انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
اصواتهن

تاتيانا… رسائل ساخرة من الحياة

كلمات قصيرة، لكن أثرها عميق. تسخر من الألم بذكاء، وتُضحكك على خيباتك دون أن تُشعرك بالهزيمة. كتاباتها ليست للتسلية، بل لتذكيرك بأن الضحك أحيانًا هو أصدق أشكال الصراخ.

ملاحظة تحريرية:

العديد من النصوص الساخرة المنسوبة لتاتيانا ألكسيفيا أو نتاليا (بأسماء روسية مختلفة) متداولة بكثرة عبر مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تُنشر دون مصدر موثوق. لا يوجد دليل قاطع على وجود كاتبة روسية معروفة بهذا الاسم. يُرجّح أن هذه النصوص الساخرة كتبها مؤلفون مجهولون أو هواة، وتم تداولها لاحقًا تحت أسماء مستعارة.

لكن، حتى وإن كانت “تاتيانا” مجرّد صوت ساخر مجهول، تبقى كتاباتها تضحكنا بذكاء، وتترك فينا شيئًا من اليقظة.

قصص ساخرة بطعم الحكمة

عندما تصبح الحياة أثقل من أن تُحتمل، لا يبقى لنا سوى أن نضحك. وفي زمنٍ تطغى عليه الكتابات المتجهمة أو المبالغ في تجميلها، تطل الكاتبة الروسية تاتيانا ألكسيفيا كنسمة باردة في صيفٍ لاهث. تسخر من الألم بلا مرارة، وتضحك على التعاسة دون أن تستخف بها. ليست كاتبة نكت، بل سيدة المفارقة؛ تقدّم لك الوجع في علبة ضحك، والحكمة مغمّسة بملح الحياة.

كلماتها قصيرة، لكن أثرها طويل. لنتأمّل فقط عبارتها الشهيرة:

“أخيرًا التقيت بفتى أحلامي، لم أكن أتصور أن أحلامي تافهة لهذه الدرجة.”

إنها لا تسخر من الحب فحسب، بل من التوقعات، من الأوهام، ومن تلك “البرمجة العاطفية” التي تُغرقنا في الخيبة ثم تجعلنا نلوم أنفسنا لأننا صدقناها.

تاتيانا ألكسيفيا تمشي على الحافة بين الدموع والقهقهة، وتختار أن تكتب بلسان الحكمة الساخرة. لا تحتاج إلى فصول مطوّلة لتصيبك في الصميم؛ جملة واحدة منها كفيلة بأن تجعلك تعيد النظر في مفاهيم الحب والنجاح والحياة. تقول مثلًا:

“زوجي الثالث تعرفت عليه في المحكمة، عندما كان يدافع عن زوجي الثاني الذي دهس زوجي الأول.”

ضحكة مدوّية، لكن خلفها صدى واقع مرير. كأن العلاقات تتوالى كما الحوادث، وكأن القضاء هو المكان الوحيد الذي يمكن أن تلتقي فيه بنصفك الآخر!

لا تكتفي تاتيانا بالسخرية من العلاقات، بل تغوص في مفارقات الأجيال. في إحدى مقاطعها، تتحدث عن والديها وعمّتها الذين يعانون مع التكنولوجيا، وتختم بسؤال لاذع:

“كيف استطاع جيلهم الوصول إلى القمر؟”

سؤال بسيط يهزّ اليقين بالتقدّم، ويعيد طرح السؤال: هل نتطوّر فعلاً؟ أم أننا فقط نبدّل أدوات الجهل؟

وفي مشهد آخر، تسترجع لعبة “الزوج والزوجة” التي كانت تلعبها في طفولتها، لتقارنها بعلاقاتها في الأربعين:

“تلك اللعبة الطفولية كانت العلاقة الجدية الوحيدة في حياتي.”

ضحكة صغيرة تخفي جيشًا من الأسئلة الوجودية حول العزلة والخيبة ومقاييس النجاح المفروضة مجتمعيًا.

نصوص تاتيانا تشبه طلقات غير مميتة: تصيبك في كبريائك، في قناعاتك، في تصوّراتك، ثم تتركك تضحك… وأنت تتألم. تقول مثلًا عن “الوفاء الزوجي”:

“قال لي زوجي: إذا خنتِني مرة أخرى فسوف أنتحر. ومنذ ذلك الحين لم أعد أُصارحه بشيء… أنقذت حياته سبع مرات.”

هنا لا تُهاجم الخيانة، بل تفضح هشاشة العلاقة، والتواطؤ الصامت الذي نُسميه أحيانًا زواجًا.

وفي مشهد آخر طريف/مبكٍ في آن، تقول:

“لم أفلح في الوصول إلى غرفة العمليات، ووضعت طفلي في ممر المستشفى. حاولت الممرضة أن تخفف عني، فقالت: ذات مرة، وضعت امرأة طفلها أمام المستشفى، في موقف الباص. استحييت أن أقول لها إنني أنا تلك المرأة أيضاً.”

ضحكٌ صاخب يتقاطع مع عبثية الحياة، حين تُعيد نفسها… على حساب المرأة ذاتها.

أما القفلة العبقرية، فتأتي هكذا:

“اليوم احتفلت صديقتي بعيد زواجها العاشر. تتباهى بأنها ارتدت ثوب العرس نفسه، ولم يكن ضيقًا عليها. لم أشأ أن أُذكّرها بأنها تزوجت وهي في شهرها التاسع من الحمل.”

ضحكة قاسية، تكشف هشاشة الذاكرة الانتقائية، وتلك الروايات المزيّفة التي نحب أن نرويها لأنفسنا.

    ملاحظة توثيقية:

    عند البحث عن اسم “تاتيانا ألكسيفيا” ككاتبة ساخرة، لم يُعثر على شخصية أدبية روسية معروفة بهذا الاسم. الشخصية المعروفة بهذا الاسم هي “تاتيانا ألكسيفنا إهرنفست”، عالمة رياضيات وفيزياء روسية، عاشت بين 1876 و1964.

لكن، سواء كانت تاتيانا موجودة فعلًا أو مجرد استعارة، فما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الكتابات التي لا تسلّينا فقط، بل تُوقظنا بابتسامة، وتُضحكنا على أنفسنا لا علينا.

وإن كان الضحك هو أذكى مقاومة في وجه الحياة، فإن “تاتيانا” تستحق، وبكل جدارة… وسام الشجاعة الساخرة.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا