
في عالم يتواطأ فيه الصمت الدولي مع الإبادة، وتُشترى فيه المواقف الحقوقية بميزان المصالح، خرج صوتٌ مختلف من قلب المؤسسة الأممية. صوتٌ لا يساوم. لا يهادن. لا يلتف على الحقيقة.
إنها فرنسيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي اختارت أن تقف في الجانب الصحيح من التاريخ، وتدفع ثمن ذلك بشجاعة نادرة.
في تقرير أممي وصفه كثيرون بـ”الوثيقة الأخطر”، لم تكتف ألبانيز بإدانة ما يجري في غزة من جرائم إبادة جماعية، بل كشفت بالأسماء عن شركات دولية متورطة في دعم وتمويل آلة الحرب التي تفتك بالمدنيين الفلسطينيين.
تقريرها الشجاع كان بمثابة صفعة على وجه النفاق الغربي، إذ لم تجد واشنطن ما ترد به سوى فرض عقوبات ضدها، في محاولة بائسة لإسكات صوت الحقيقة، وتكميم الضمير.
فما كان ذنب فرنسيسكا؟
ذنبها أنها وقفت حيث يجب أن يقف القانون الدولي:
مع الضحايا، لا مع القتلة. مع القانون، لا مع الإفلات من العقاب. مع الإنسان، لا مع رأس المال.
فرنسيسكا ليست فقط موظفة في جهاز أممي، إنها بكل بساطة، ما تبقى من ضمير هذا العالم. في زمن الانحياز الأعمى، والابتزاز السياسي، والتواطؤ الحقوقي، رفضت أن تكون رقما في جوقة المصفقين.
اختارت أن تقول الحقيقة كاملة، دون رتوش، ودون حسابات.
مواقفها لا تشبه الدبلوماسية الرمادية التي تتقنها مؤسسات دولية صامتة. بل تشبه نبض الأمهات الفلسطينيات، وصرخة الأطفال تحت الركام، والعدالة التي تأخرت كثيرًا.
اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تحتاج العدالة إلى أصوات من هذا العيار الأخلاقي والحقوقي.
أصوات لا تهاب العقوبات، ولا تنحني أمام التهديدات، بل تقف صلبة أمام آلة الإبادة، لتقول: “لن تمروا دون محاسبة”.
كل التضامن مع فرنسيسكا ألبانيز.
وكل الاحترام لكل من يفضح “بيزنس الإبادة”، ويتحمل ضريبة الشجاعة.
نبذة عن فرنسيسكا ألبانيز
تحمل فرنسيسكا ألبانيز الجنسية الإيطالية. ولدت عام 1977 في مدينة أريانو إيربّينو في إيطاليا، تعمل كأكاديمية وخبيرة قانونية دولية في قضايا الهجرة واللجوء والتشريد القسري، منتسبة إلى معهد دراسة الهجرة الدولية بجامعة جورجتاون، وتشغل منصب كبيرة المستشارين في مركز بحثي تابع لمنظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية. شاركت في تأسيس الشبكة العالمية للقضية الفلسطينية، وتعد من أبرز الأصوات الحقوقية المدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وكل القضايا العادلة استنادا إلى القانون الدولي، وتدعو إلى إيجاد حلول عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ألفت عدة دراسات عن الوضع القانوني في فلسطين، أبرزها كتابها: اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي (2020)، الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد، والذي يُعد مرجعًا في هذا المجال. وتحاضر بانتظام في جامعات أوروبية وعربية، كما شاركت لعقد من الزمن في مناصب أممية معنية بحقوق الإنسان، وقدمت استشارات في عدة مناطق حول العالم، خاصة في الشرق الأوسط وشمال إفريقي…
تعرضت لحملات تشويه وهجوم بسبب مواقفها التي تؤكد ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حلول عادلة للقضية الفلسطينية.