بول معمر… أول صوت إعلامي من ذوي متلازمة داون في المغرب

بول معمر… قصة نجاح مُلهمة لشاب تحدّى الإعاقة وطرق أبواب السلطة الرابعة
لم تمنع “الإعاقة الذهنية” الشاب بول العربي معمر (Paul Mamere)، البالغ من العمر 24 سنة، من نيل شهادة الإجازة من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط (ISIC) مطلع شهر يوليوز الجاري، ليُصبح أول طالب من حاملي “متلازمة داون” يتخرج من هذا الصرح الأكاديمي المرموق.
لم تكن وضعيته الصحية عائقًا أمام طموحه، بل كانت دافعًا لمزيد من الإصرار والمثابرة. وبفضل عزيمة لا تلين، ودعم موصول من والده أستاذ اللغة الفرنسية، استطاع بول أن يشقّ طريقه ويُسطّر قصة نجاح مُلهمة، تُسهم في كسر الصور النمطية المرتبطة بذوي الاحتياجات الخاصة.
بول العربي معمر، وهو شاب من أب مغربي وأم ألمانية، اختار أن يُواجه الحياة بعدسة الكاميرا، وأن يحجز لنفسه مكانًا في عالم “السلطة الرابعة”، بعد تخرجه من المعهد العالي للإعلام والاتصال. إنجاز غير مسبوق سيظلّ محفوظًا في ذاكرة هذا المعهد الأكاديمي العريق.
وُلد بول في باريس سنة 2001، وتابع دراسته بالمغرب منذ سنة 2009 ضمن البعثة الفرنسية بكل من الدار البيضاء والرباط. وتمكّن من تجاوز كل التحديات ليصبح أول طالب من ذوي متلازمة داون يتخرج من أعرق مؤسسة لتكوين الإعلاميين في المغرب.
على قناته الخاصة، التي أنشأها بشغف واحتراف، حاور بول شخصيات عالمية بارزة مثل جياني إنفانتينو، ناصر الخليفي، ماحي بنبين، عمر هلال، إيمانويل ماكرون، رشيدة داتي وأندري أزولاي، فضلًا عن عدد من الوزراء والمسؤولين. كما ألقى خطابًا داخل قبة البرلمان المغربي حول قضايا الأشخاص في وضعية إعاقة، وغطّى فعاليات وطنية ودولية من خلال تقارير ومراسلات بصيغة مهنية ناضجة.
وفي تصريح له عقب تخرجه، عبّر بول عن فخره بهذا الإنجاز التاريخي، مهدياً نجاحه “للمغرب ولجلالة الملك ضامن الإدماج”، كما قال، مؤكداً أن إرادته القوية هي التي مكنته من بلوغ هذا الحلم رغم كل الصعوبات.
من جانبه، وصف عبد اللطيف بنصفية، مدير المعهد، بول معمر بأنه “عنوان نجاح كبير جداً للمعهد وللمشهد الإعلامي الوطني والدولي”، معتبراً إياه تجربة مُلهمة ورمزاً لعزيمة لا تنكسر.
أما والده، خالد معمر، فقد عبّر عن اعتزازه الكبير بابنه، مذكّراً بأنه سبق أن كان أول تلميذ من حاملي “التثلث الصبغي 21” يحصل على شهادة الباكالوريا ضمن البعثة الفرنسية المنتشرة في 139 دولة عبر العالم، سنة 2021، وها هو اليوم يُسجّل اسمه مجددًا كأول خريج من فئة ذوي الإعاقة الذهنية من المعهد العالي للإعلام والاتصال.
وقد نال بحث تخرّج بول حول موضوع “إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة في الإعلام” إشادة كبيرة لما تضمنه من دقة وعمق إنساني. ركّز البحث على أهداف التنمية المستدامة، وتضمّن عرضًا لفيلم وثائقي متميز شاركت فيه شخصيات بارزة وطنية ودولية، نوّهت كلها بالمسار الاستثنائي لهذا الشاب الطموح.
يتحدث بول معمر خمس لغات: الفرنسية، الألمانية، الإنجليزية، العربية، والإسبانية، وهو الآن يطوي صفحة التكوين الأكاديمي ليفتح أخرى جديدة، يأمل من خلالها في الاندماج المهني داخل الحقل الإعلامي الوطني، بدعم من المؤسسات التي تؤمن بالكفاءة، وتثمّن التميّز مهما كانت التحديات.
ولا شك أن صقل موهبته وشغفه في رحاب المعهد سيمنحه زادًا قويًا لخوض تجربة إعلامية احترافية، ينتظر أن تُعبّد له الطريق لمزيد من النجاحات، وتمهد الطريق لغيره من الشباب الحالم رغم الصعوبات.