انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
ثقافة وفنون

ثانوية ابن عباد:حين تعانق المعرفة الفن الشعبي

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق

في كل دورة من دورات المهرجان الوطني للفنون الشعبية، تحرص إدارة المهرجان على إحياء تقليد سنوي يحمل دلالات عميقة من الوفاء والاعتراف: زيارة رسمية إلى ثانوية ابن عباد التأهيلية، حيث تلتقي الذاكرة التعليمية بنبض الإبداع الشعبي.

ليست هذه الثانوية مجرد مؤسسة تربوية في حياة رئيس المهرجان، محمد الكنيدري، بل هي المنبع الأول الذي صاغ شخصيته الثقافية، ومنها انطلقت مسيرته نحو العمل الثقافي والتنموي. وفي كل دورة، يقود الكنيدري ضيوف المهرجان والصحافة في زيارة خاصة لفضاءات المدرسة، في تحية رمزية لذاكرة مكان احتضن أجيالًا، وكان شاهدًا على تحولات مجتمع بكامله. رافقته في زيارة اليوم الفنانة سعيدة شرف التي ستحي حفل اختتام المهرجان.

مدرسة صارت بيتًا للفن

تقف ثانوية ابن عباد في قلب مراكش، لا كمجرد بناية تعليمية، بل كمعلمة تاريخية تنبض بالحياة. في مفارقة بديعة، تحوّلت هذه المؤسسة التي تأسست لتعليم النخب، إلى فضاء يفتح أبوابه للفنانين، كما للمتعلمين، في انسجام بديع بين الدرس والإبداع.

تأسست هذه الثانوية سنة 1938 في عهد الحماية الفرنسية، وكانت تُعرف بـ Lycée Mangin نسبة إلى الجنرال الفرنسي شارل مانجان. وبعد الاستقلال، حملت اسم المعتمد بن عباد، الشاعر الأندلسي الشهير والملك المأساوي الذي دُفن في أغمات قرب مراكش، تكريمًا لروحه ولرمزيته الثقافية.

من نخبوية التعليم إلى شمولية المعرفة

كانت الثانوية في بداياتها حكرًا على أبناء الأعيان والجاليات الفرنسية واليهودية، لكنها ما لبثت أن تحوّلت، بعد الاستقلال، إلى فضاء ديمقراطي للمعرفة، يستقبل أبناء الشعب المغربي دون تمييز.

خرجت من هذه المؤسسة أسماء بارزة في مجالات متعددة: الأستاذ الجامعي والوزير السابق محمد الكنيدري، السياسي الراحل محمد الوفا، نجم التنس العالمي يانيك نواه، الوزير الإسرائيلي السابق دافيد ليفي، والمفكر العلامة الدكتور حسن جلاب، وغيرهم.

المعتمد بن عباد… اسمٌ لا يشيخ

اختيار اسم المعتمد بن عباد لم يكن عبثيًا. فهو شاعر وملك من ملوك الطوائف، حكم إشبيلية في القرن 11 الميلادي، وفتح بلاطه للفن والعلم. عاش لحظات مجد مأهولة بالشعر والحب، قبل أن تنقلب إلى تراجيديا النفي والسجن. بعد أن استعان بالمرابطين لصد هجمات ألفونسو السادس، انتهى به المطاف مخلوعًا، منفًى إلى أغمات حيث قضى آخر أيامه في فقر وحرمان. لكنه ظل في الذاكرة شاعرًا رقيقًا، عاشقًا للجمال، وحاضرًا في كل لحظة استحضار للتراث الأندلسي.

الوفاء للمدرسة.. والاعتراف بالذاكرة

من خلال هذا الربط العميق بين المدرسة والفن، بين الجذور والآفاق، يُعيد محمد الكنيدري الاعتبار لمؤسسة تركت بصمتها في الوجدان الجمعي المراكشي. فثانوية ابن عباد ليست مجرد مبنى، بل هي بيت للمعرفة، وخزان لذاكرة وطنية تستحق التثمين والدعم.

إنها عنوان للمقاومة الناعمة: مقاومة النسيان، ومقاومة تغريب التعليم عن محيطه الثقافي. ولهذا، فإن زيارة الوفود الفنية لها ليست مجرد طقس احتفالي، بل رسالة: أن الفصول قد تصير يومًا حضنًا للفن الشعبي، وأن المعرفة تثمر حين تُروى بذاكرة المكان وحنين القيم.

حين تمتزج الذاكرة بالاحتفال

ولأن الذاكرة لا تكتمل إلا حين تمتزج بالاحتفال، يتحوّل هذا الفضاء التربوي والتعليمي، خلال الزيارة السنوية، إلى خشبة مسرح حيّ، تنبعث فيها الحياة من جديد عبر عروض شعبية تستحضر ألوان التراث المغربي الزاخرة. فتتحرك الفرق الفلكلورية في ساحة المؤسسة بانسجام بصري وموسيقي، يعكس تنوع الهوية المغربية، وغناها الفني والثقافي من شمال المملكة إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا