انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

كيف نجا توم هانكس من وحدته… بوحدته!

عن فيلم "وحدي في العالم"

توم هانكس: الكرة “ويلسون”، وما يجعلنا بشراً

حديث بسمة – عزيزة حلاق

في زمن باتت فيه الوحدة تجربة متكررة رغم تواصلنا الدائم عبر الشاشات، قد تبدو فكرة النجاة عبر الوحدة نفسها أمرًا غريبًا. لكن قصة توم هانكس في فيلم Seul au monde (Cast Away) تُخبرنا أن الوحدة ليست دائمًا موتًا أو سقوطًا، بل قد تكون ملاذًا وأداة للحياة.

كيف نجا هذا النجم العالمي من عزلة تامة؟ وكيف كانت “الكرة ويلسون” أكثر من مجرد وهم؟

في زمنٍ طغت فيه العزلة الرقمية على العلاقات، وازدادت فيه تجارب الانفصال النفسي رغم كثافة التواصل… تبدو العودة إلى فيلم Seul au monde (Cast Away) أكثر من ضرورية.

إنه تذكير قوي بأن الخوف الأكبر ليس أن تُترك وحيدًا، بل أن تُجبر على النجاة وحدك.

بعض الأفلام تُشاهد مرة واحدة ثم تُنسى.

وأخرى، تعود إليها مرارًا… لا لأنك نسيت أحداثها، بل لأنك تجد نفسك فيها، في كل مرة، بطريقة مختلفة.

وهذا تمامًا ما حدث لي مع فيلم Seul au monde للنجم توم هانكس.

شاهدته أكثر من مرة، وفي كل مرة، كان ينبض بالشغف نفسه، بالحيرة ذاتها، وبذلك الألم النبيل الذي لا يُنسى.

لكن ما دفعني اليوم إلى الكتابة عنه، لم يكن مجرد الإعجاب، بل تصريح بسيط، صادق، وعميق من توم هانكس قال فيه:

“قالوا عني مجنون لأني تحدثت إلى كرة… لكن ذلك الجنون هو ما أنقذ حياتي.”

الفيلم لم يكن مجرد مغامرة رجل تقطّعت به السبل في جزيرة معزولة، بل كان اختزالًا لما يعنيه أن تكون إنسانًا حين يُنزع عنك كل شيء، وتُترك وحيدًا، مع نفسك فقط.

والمفارقة أن ما عشناه كمشاهدين، كان يحدث فعليًا خلف الكاميرا:

توم هانكس عاش عزلة حقيقية. خسر وزنه، وانهارت قواه الجسدية، وعُزل لأيام طويلة.

كانت التجربة أشبه بمحاكاة واقعية للصمت، للانفصال، للوحدة.

وكان كل ما لديه، ليبوح ويقاوم وينجو… كرة اسمها “ويلسون”.

كرة برأس مرسوم؟ نعم. لكنها لم تكن مزحة.

كانت رمزًا، رفيقًا متخيّلًا، وسيلته كي لا ينهار، وكي يُذكّرنا جميعًا بأننا، كبشر، نحتاج دائمًا لما نتعلّق به… حتى لو كان وهماً.

في مقابلة نادرة، قال هانكس:

“ويلسون لم يكن مزحة. لم يُنقذني قارب نجاة، بل شيء أرتبط به، كنت بحاجة لأي شيء يشعرني أني لست وحدي. هذه ليست جنونًا… إنها فعل حب البقاء.”

ما يقوله هانكس، لا يخصه وحده، بل يعنينا جميعًا.

كم مرة تحدثنا إلى أنفسنا؟ إلى صور؟ إلى أغراض قديمة نحتفظ بها في جيوبنا أو أدراجنا؟

كم مرة رسمنا وجوهًا للغياب كي لا نغرق في الخواء؟

ما يفعله الطفل مع دميته، والمسن مع صور الراحلين، والعاشق مع صوته الداخلي… كله جزء من بقائنا.

ليس المنطق وحده ما يُبقينا على قيد الحياة، بل روابط صغيرة، هشّة، لا يراها أحد… لكنها تمنحنا الدفء.

Seul au monde” ليس فقط عن رجل تائه في جزيرة، بل عن الإنسان حين يُجرد من كل شيء، ويُجبر على أن يخلق الأمل بيديه، والرفقة في صمته، والمعجزة من لا شيء.

إنني أكتب عن هذا الفيلم الآن، لا لأنه الأجمل، وهو كذلك، بل لأنه، ببساطة، صادق.

لأن كل مرة أعود فيها لمشاهدته، أجدني فيه.

وأؤمن أن ما نراه “جنونًا” أحيانًا، قد يكون في الحقيقة… أعمق تجلٍّ لإنسانيتنا.

ألسنا جميعًا بحاجة إلى “ويلسون” خاص بنا، في عزّ وحدتنا؟

ربما لهذا، غنّى جورج موستاكي يومًا:

“Je ne suis pas seul avec ma solitude”

(لستُ وحيدًا مع وحدتي)

“Elle m’accompagne à tous les pas que je fais,

Elle m’attend sagement assise au fond des cafés…”

إنها ترافقني في كل خطوة أخطوها،

وتنتظرني بصبر في عمق المقاهي..

أغنية تمزج بين الحزن والعزاء، بين الاعتراف بالوحدة واحتضانها، وكأنها تواطؤ هادئ مع الذات.

فالوحدة، حين نملأها بالمعنى، تكفّ عن أن تكون خواءً.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا