موسم طانطان:ملحمة تراثية تجدد عبق التاريخ في الصحراء

طانطان: مونية السعيدي
الصور : بعدسة زليخة
فيديو: جمال الحزازي
خيام منصوبة وملحمة معتقة بسحر التراث، أهازيج ولوحات فنية تنوعت بين الشعر والموسيقى والجمال…
هكذا أطلت مدينة طانطان الهادئة، كعروس صحراوية استعادت وهجها، وأعادت رسم ملامح هذا الإرث الأصيل، خلال موسمها الثقافي الذي نظمته مؤسسة الموكار من 14 إلى 18 ماي الجاري، تحت شعار “موسم طانطان.. شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل”، وبرعاية سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وقد اختُتمت فعاليات هذه التظاهرة، مساء أمس الأحد، بإقامة خيمة الشعر التي حضرها محمد الناجم أبهاي، والي جهة كلميم–واد نون، وعبدالله شاطر، عامل إقليم طانطان، إلى جانب عدد من المنتخبين. وشهدت الخيمة مشاركة شعراء وشاعرات من الأقاليم الجنوبية، أبدعوا في إلقاء قصائد حسانية تغنت بالوطن، وتشبثت بالأرض، واحتفت بالعادات والتقاليد الصحراوية، إلى جانب قصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم. كما شارك شعراء من دولة الإمارات العربية المتحدة بقصائد عكست عمق الروابط بين الشعبين المغربي والإماراتي.
سهرات فنية ووصلات جمعت مختلف الأجيال
وتضمن برنامج هذه الدورة فقرات فنية مميزة، أبدعت فيها الفنانة الموريتانية كمبانة مانت علي، إلى جانب ركان، على إيقاعات الآلات الحسانية الأصيلة، في تمازج فني جسّد روح الصحراء.
وشكلت ساحتا الوطية وطانطان فضاءين مفتوحين لأمسيات فنية وسهرات شعبية شارك فيها نجوم الأغنية المغربية، وعلى رأسهم عبد العزيز الستاتي، وفرقة “آش كاين”، والفنانة نجاة الرجوي، وسط حضور جماهيري غفير من مختلف ربوع المملكة.
مسابقات وحكايات منسوجة بأريج التراث
ولم تغب عن الخيام الموضوعاتية جلسات الشاي الصحراوي، والفن الموسيقي، والشعر الحساني، فيما احتضنت ساحة السلم والتسامح تشكيلات فلكلورية من فرق شعبية تنتمي إلى جهات مختلفة من المغرب، إلى جانب فرق إماراتية، ما أبرز التلاقح الثقافي المميز بين البلدين.
كما شهد الموسم تنظيم سباق للهجن، وعروضًا للفروسية، ومسابقات رياضية مستوحاة من التراث الصحراوي، إلى جانب كرنفال استعراضي، ومعرض جهوي للفلاحة، وسوق للمنتجات التقليدية، وندوتين حول الاستثمار الأخضر والشعر الحساني: من الممارسة إلى التوثيق، مع التركيز على فن التبراع باعتباره تعبيرًا نسائيًا فريدًا.
وتميّزت دورة هذه السنة بحضور لافت لدولة الإمارات، من خلال جناح خاص قدّم تراثها الثقافي الغني، إلى جانب مساهمات فنية وتنظيمية بارزة.
يُذكر أن “موسم طانطان”، المُدرج من قبل منظمة اليونسكو ضمن التراث الثقافي اللامادي للإنسانية منذ 2005، والمسجل رسميًا ضمن قائمتها سنة 2008، يشكل موعدًا سنويًا لالتقاء أكثر من ثلاثين قبيلة من الرحل، في احتفال جماعي بالتقاليد الحية التي تشمل الموسيقى، الرقص، الحرف اليدوية، الطبخ، والعادات الاجتماعية.
مسابقة الطبخ الصحراوي… نكهة الأصالة في قلب الموسم
وفي سياق الاحتفاء بالتراث المادي، نظّمت جمعية المرأة الصحراوية للتنمية المندمجة، بشراكة مع مؤسسة الموكار وعمالة طانطان، مسابقة في الطبخ الصحراوي، شاركت فيها 48 امرأة قدّمن أطباقًا تقليدية مميزة، توّجت منها 14 فائزة.
وأكدت فاطمتو الزعمة، رئيسة الجمعية، في تصريح لموقع بسمة نسائية، أن المسابقة تروم إبراز الموروث الغذائي الصحراوي، وتعزيز دور المرأة في صونه ونقله للأجيال القادمة.
ومن بين الأطباق التي لفتت الانتباه: مارو بالسمك، مارو باللحم، التبيخة، الكسكس الخماسي، العيش بلغمان، وزينابة.
كما شهدت الخيام منافسات في إعداد الشاي الصحراوي، ومخض لبن الغنم، وصناعة الزبدة التقليدية، ما أضفى على أجواء الموسم طابعًا أسطوريًا يجمع بين الحنين والاحتفاء، ويجعل من طانطان موعدًا سنويًا لترسيخ الهوية الثقافية الصحراوية في أبهى تجلياتها.