
حديث بسمة/ عزيزة حلاق
سبعة أيام، كما في عنوان الفيلم، قد تكون كافية لتغيير كل شيء…
ماذا لو استيقظتَ صباحًا، وأخبرك شخص يبدو غريب الأطوار بأنك لن تعيش سوى سبعة أيام؟ لا مرض، لا حادث، لا منطق مقنع… فقط نبوءة عابرة. ستضحك، بالطبع، وتعتبر الأمر مجرد هذيان. لكن ماذا لو بدأت تلك “التنبؤات”، أو ما اعتبرته “هلوسات وخرافات”، تتحقق واحدة تلو الأخرى؟ هل سيغيّر ذلك طريقة تفكيرك؟ وربما حتى طريقة عيشك؟
في فيلم “7 Jours et une Vie”، تتألق النجمة العالمية أنجلينا جولي في دور لاني، الصحفية الذكية التي تجابه تحديات الحياة اليومية. نجد أنفسنا أمام موقف يبدو عاديًا وخفيفًا، لكنه مشحون بأسئلة فلسفية وجودية عميقة، تعيد طرح السؤال: “من أنا؟ ماذا أفعل؟ وما معنى حياتي؟”
لا يتناول الفيلم فكرة الموت أو النهاية بقدر ما يتناول الحياة ذاتها. إنه يتحدّى المشاهد لإعادة التفكير في أولوياته، وعلاقاته، ومعنى وجوده، وقيمته كإنسان، وفي ما هو حقيقي، وفي مفهوم السعادة…
لاني، التي تجسدها جولي، امرأة عقلانية وواقعية، لا تؤمن بالنبوءات أو الرسائل الغامضة. وعندما يخبرها شخص التقته صدفة في الشارع في إطار عملها الصحفي، يُدعى جاك (يؤدي دوره ممثل كاريزمي)، بأن حياتها على وشك الانتهاء، وبأن نهايتها محددة زمنيا في غضون أسبوع، وتحديدًا الخميس المقبل… تسخر منه، وتظنه مجرد مجنون أو مازح ثقيل الظل. لكن شيئًا فشيئًا، تبدأ النبوءات بالتحقق: يخبرها أن الفريق المحلي سيفوز بعدد أهداف محدد، ويحدث ذلك. يخبرها أن زلزالًا سيضرب المدينة، ويحدث ذلك أيضًا. هنا تبدأ لاني في إعادة النظر في كلامه، وتبدأ في تصديقه.
تقرر عندها إعادة ترتيب حياتها وتفكيرها وأولوياتها. كيف يمكن أن تكون أيامها الأخيرة أفضل؟ وماذا لو كانت هذه النبوءة هي الفرصة الأخيرة لتحقيق التغيير الذي طالما حلمت به؟ تعود إلى فطرتها النقية، تقول “أحبك” لمن يستحق، وتغفر لمن أخطأ بصدق، ثم تنسحب بأناقة من كل علاقة سامة أو صداقة مرهقة.
رسالة الفيلم تبدو بسيطة، لكنها عميقة. رسالة تخاطبنا جميعًا، وتدعونا للتوقف عن الركض خلف الوهم، وعن الغرق في مشاغل الحياة اليومية، وإعادة تقييم أولوياتنا. في عالمٍ يحتفي بالإنجازات والنجاحات على حساب اللحظات الحقيقية، تهمس أنجلينا جولي في أذن كل واحد منا: “لا تنتظر نبوءة أو كارثة لتبدأ العيش حقًا.”
لا يجب أن ننتظر لحظة فاجعة لنُعيد تقييم علاقاتنا، أو لحظاتنا الثمينة مع من نحب، أو حتى لرؤية الأشياء الصغيرة التي تمنح الحياة طعمًا خاصًا.
أنجلينا جولي، التي اعتدنا رؤيتها في أدوار بطولية تتسم بالقوة، تبتكر هنا أداءً مختلفًا تمامًا. فبينما عرفناها في أفلام مثل Maleficent وUnbroken، حيث تجسد شخصية المرأة القوية، فإن شخصية لاني تظهر جانبًا إنسانيًا آخر: امرأة تشبهنا، مليئة بالشكوك، تبحث عن المعنى. تنجح جولي في بناء شخصية تلامس القلب. إنها تخشى التغيير، لكنها تسعى إليه بشجاعة في لحظة حاسمة.
وإذا شاهدتَ أعمال جولي السابقة مثل A Mighty Heart، حيث لعبت دور الصحفية التي تفقد زوجها، أو Tomb Raider التي تجسد فيها مغامِرة لا تُقهر، ستلاحظ هنا نقلة نوعية في الأداء. فـلاني ليست بطلة خارقة، بل امرأة عادية في مواجهة الحياة، كما نعيشها نحن.
أحد أبرز أبعاد الفيلم ( انتاج 2022)، هو أنه لا يقدم حلولًا جاهزة. بل يترك المشاهد أمام تساؤلاته: هل أنا راضٍ عن حياتي؟ هل أعيش وفق ما أؤمن أنه مهم حقًا؟
أسئلة نطرحها بمرارة أحيانًا، وبابتسامة أحيانًا أخرى، لكنها ضرورية.
سبعة أيام، كما في عنوان الفيلم، قد تكون كافية لتغيير كل شيء…
فهل أنت مستعد لمواجهة ذلك التغيير؟