“الطنطورية”الرواية التي حملت فلسطين في قلب امرأة
رُقيّة الطنطورية... حين تُصبح الذاكرة وطناً في قلم رضوى عاشور

أكتبُ كي لا أموت… رُقيّة تروي عن فلسطين
بقلم: مريم أبوري*
ليست “الطنطورية” مجرد سيرة ذاتية لرقية، بل هي سيرة شعب بأكمله. هي رواية تسردها وتكتبها بطلتها، رُقيّة، بطلبٍ من ابنها الحاج. إنها تاريخ مأساة وطن، يُروى من خلال مأساة الفلسطينيين في الطنطورة، التي أُجبرت رُقيّة وأسرتها على مغادرتها قسرًا تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، بالقهر والاغتصاب والاستبداد.
حكاية رُقيّة هي حكاية كل الفلسطينيين الذين شُرّدوا واقتُلعوا من أرضهم، في عملية تطهير عرقي. حكاية سترويها الجدة رُقيّة الطنطورية لأبنائها، لأحفادها، ولمريم اليتيمة التي ربّتها وزوّجها طبيب، بعد أن فقدت والديها الذين قتلهما العدوان الصهيوني. تبدأ الحكاية من نكبة العام الأسود 1948، مرورًا باستقرارها في لبنان وما رافقه من أحداث مؤلمة وقاسية عاناها الفلسطينيون كلاجئين، من صراعات مسلحة ومآسٍ في المخيمات، ثم في الإمارات، حيث عاش العديد من الفلسطينيين حياة أفضل اجتماعيًا ونفسيًا، وأخيرًا في مصر، حيث واصل الكثير منهم دراستهم الجامعية… إنها حكاية شتات لم يُجمع بعد.
لم تكن رُقيّة مقتنعة بكتابة ما عاشته، لأنها لا تريد أن تستعيد كل ذلك الألم الثقيل الذي حملته منذ أن هُجّرت مع أمها، وقُتل والدها وأخواها على يد الصهاينة، كما حدث مع كثير من رجال ونساء وأطفال الطنطورة وسائر القرى والمدن الفلسطينية.
حكاية رُقيّة هي معايشة لحكاية فلسطين، بكل أبعادها: الاحتلال، التشريد، الاغتصاب، المقاومة، الشتات… إنها حكاية جيل الأربعينيات وصولاً إلى جيل الأحفاد.
استطاعت رضوى عاشور، عبر بطلتها رُقيّة، أن توثّق تاريخ القضية الفلسطينية، وأن تسرد معاناة المهجّرين قسرًا من وطنهم، من خلال حكايات يومية امتدت منذ منتصف القرن الماضي وما تزال مستمرة إلى يومنا هذا. ومن خلال لسان رُقيّة، جعلتنا الكاتبة نعيش الأحداث ونراها، ونتلمّس كيف عبَرت الأجيال مأساة الاحتلال، وهي تتشبّث بمفاتيح بيوتها كرمز للحق والحلم بالعودة. مفاتيح توضع حول الأعناق، كما فعلت أم رُقيّة، وكما فعلت رُقيّة نفسها من بعدها، ثم فعلته مع حفيدتها الصغيرة، التي التقتها عند أسلاك الحدود بين الأردن وفلسطين، في مشهد وصفته كلمات رضوى عاشور بإيمان عميق بأن مفاتيح فلسطين ستُورّث جيلًا بعد جيل، حتى يتحقق حلم العودة وتُفتَح البيوت التي لم تدمّرها جرافات الاحتلال، من كنائس ومساجد ومنازل، والتي مُسحت في محاولة لطمس الهوية العربية وفرض التهويد.
رواية ممتعة رغم قسوة الحكاية، اختلط فيها الظلم بالمقاومة، الحزن بالفرح، المعاناة بالصبر، واليأس بالتشبث بالأمل. حكايات شيوخ (الختيارية)، وشباب، وأطفال، ونساء؛ أعراس، موت، ولادات، كفاح مسلّح، وتشرد، وتفوق دراسي واجتماعي خارج فلسطين… كل هذا عبر قصة رُقيّة وأسرتها الصغيرة والكبيرة، في سردٍ يسافر بنا عبر الكلمات والأشعار وعبارات اللهجة الفلسطينية الجميلة.
رواية تستحق القراءة، مثل باقي أعمال رضوى عاشور.
*كاتبة مغربية مقيمة بفرنسا