انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
رأيهم

ليست ازدواجية معايير، إنها صناعة وعي جماعي زائف!!!

بقلم: عبد العزيز العبدي

سؤال ظلّ يؤرّقني وأنا المنبهر بحضارة الغرب الثقافية، بعقلانيّته المزعومة وإنسانيّته المتفاخرة: كيف يصطف هذا العالم “المتحضّر” خلف الكيان الصهيوني رغم فضاعاته الدموية، بينما يغمض عينيه عن حق الفلسطيني الواضح كشمس في رابعة النهار؟

الحقيقة المُرّة تكشف نفسها عندما ننظر إلى آلة غسيل الأدمغة الغربية التي تعمل ليل نهار لتحويل القاتل إلى ضحية، والمظلوم إلى إرهابي! فإسرائيل – بترسانتها النووية التي تضم ما يقارب 90 رأساً نووياً وجرائمها المُوثّقة بالأدلة القاطعة – استطاعت أن تقدم نفسها في السردية الغربية كـ”كبش فداء” جديد، لكن هذه المرة وهي ترتدي ثياب الضحيّة الباكية! كيف حدث هذا التحوّل السحري الذي يتحدى كل منطق؟ الجواب يكمن في ثلاثية مسمومة: الإعلام المغرض، واللوبيات السياسية، والمصالح الاستعمارية

الغرب الذي تنهمر دموعه السخية على ضحايا هجمات باريس وبروكسل، يتعامى بكل وقاحة عن أطفال غزة الذين يُقتلون يومياً وكأنّهم مجرّد أرقام في لعبة كمبيوتر دموية! هذه ليست مجرد ازدواجية معايير، بل هي “جريمة وعي” مُمنهجة، حيث تُعاد هندسة الحقائق لتظهر دولة الاحتلال كـ”ديفيد الصغير” المسكين أمام “جالوت” الفلسطيني المسلّح بحجارة الأطفال وقذائف الهاون البدائية! السخرية تكمن في أن إسرائيل تمتلك أحد أقوى جيوش العالم مدعوماً بأحدث الأسلحة الأمريكية، بينما تقاومها غزة بقطع معدنية بدائية صنعت في الورش المنزلية!

ولكن الأكثر إيلاماً من هذا كله هو كيف ابتلعت النخبة العربية هذه الأكذوبة الكبرى بشراهة! فبينما تذبح إسرائيل الفلسطينيين على الهواء مباشرة، نجد “مثقفين” عرباً يتغنّون بـ”التطبيع” و”فرص السلام” وكأنهم يتحدثون عن معادلة رياضية وليس عن دماء وأرض! بعض هؤلاء المثقفين الذين تخرجوا من أرقى جامعات الغرب، عادوا يحملون شهاداتهم كأسياد “تنوير”، لكنّهم في الحقيقة مجرد ببغاوات تردد دون وعي مقولات مثل “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” بينما أطفال غزة يُدفنون تحت أنقاض منازلهم!

الإعلام العربي “الليبرالي” كتب فصلاً مخزياً آخر في هذه المهزلة. بعض القنوات تحولت إلى منابر للدفاع عن الرواية الصهيونية، إما خوفاً من “الغضب الأمريكي” أو سعياً وراء الشهرة الزائفة. وهكذا صرنا نسمع مصطلحات مخادعة مثل “طرفي النزاع” وكأن هناك تكافؤاً بين جيش احتلال مدجج بأحدث الأسلحة وبين شعب أعزل يحاول الدفاع عن أرضه! الأكثر سخرية أن بعض “المنظّرين” العرب صاروا يرددون مقولات عن “معاداة السامية” كلما انتقد أحدٌ جرائم إسرائيل، متناسين أن الفلسطينيين أنفسهم من الساميين!

الغرب يعرف الحقيقة جيداً، لكنه يختار النفاق لأن الاعتراف بها يعني انهيار أسطورة “الحضارة الغربية” التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان… إلا إذا كان هذا الإنسان فلسطينياً! أما النخبة العربية المتغرّبة، فقد اختارت أن تعيش في الوهم المريح، تبرر القتل، تهادن الجلاد، وتتغنى بـ”السلام” بينما السلام الحقيقي يُدفن يومياً تحت القصف الإسرائيلي! بعضهم وصل به الانبطاح إلى حد تبرير المجازر تحت عنوان “الواقعية السياسية”، وكأن الواقعية تعني الخنوع للجلاد!

المأساة تكمن في أن هذه النخبة تنسى أن التاريخ لا يرحم. فبعد قرون من الآن، عندما ينظر المؤرخون إلى هذه الحقبة، سيسجلون كيف وقف العالم بأسره متفرجاً على إبادة جماعية تحدث أمام أعين الجميع. سيسألون: كيف استطاعت آلة الدعاية الصهيونية أن تشوه الحقائق بهذا الشكل؟ كيف قبلت النخبة العربية بهذه المهزلة؟ ولماذا ظل الضمير العالمي غارقاً في غيبوبته حتى اللحظة الأخيرة؟

السؤال الذي يبقى معلقاً في الهواء كرائحة البارود فوق غزة: متى سنستفيق من هذه الغيبوبة الجماعية؟ أم أن “صناعة اللاوعي” قد نجحت في تخديرنا إلى الأبد؟ الحقيقة المؤلمة هي أننا نواجه معركة وجودية لا تحتمل الحياد، فإما أن نكون مع الحق التاريخي الثابت للشعب الفلسطيني، أو نكون شركاء في الجريمة عبر صمتنا أو تبريراتنا الواهية. التاريخ لن يسألنا عن نوايانا، بل عن مواقفنا في لحظة الحقيقة هذه.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا