خديجة القرطي.. امرأة ملهمة تصنع الأمل من الألم

احتضنت 10 ألف مريضة على مدى 15 سنة

بسمة نسائية/ نساء ملهمات

*الصور مأخوذة من  قناة” عرب كاست”

في عالم يزداد فيه الجفاء وتطغى فيه الفردانية، تظهر شخصيات استثنائية تذكّرنا أن العطاء هو جوهر الإنسانية، وأن الإحساس بالآخر ليس مجرد قيمة، بل أسلوب حياة.

خديجة القرطي واحدة من هؤلاء الملهمات اللواتي يصنعن الأمل وسط الألم، ويمدّن جسور الرحمة لمن ضاقت بهن السبل.

فقدت الحاجة خديجة، زوجها وشقيقتها بسبب السرطان، لكنها لم تغرق في حزنها، بل حولت ألمها إلى رسالة إنسانية. في عام 2009، فتحت منزلها الوحيد في الرباط لاستقبال النساء المريضات بالسرطان، خاصة القادمات من مناطق بعيدة دون مأوى خلال فترة العلاج. لم تفكر في ما ستخسره، بل فيما يمكن أن تمنحه، مؤمنة بأن من لا يعطي من القليل، لن يعطي من الكثير.

بيت الأمل.. العطاء بلا حدود

ما بدأ كفعل فردي نابع من الرحمة، سرعان ما تحول إلى مشروع إنساني أوسع. مع تزايد عدد المريضات المحتاجات للمأوى، أنشأت خديجة جمعية “جنات” سنة 2009، التي أصبحت منذ ذلك الحين حضنًا آمناً لآلاف النساء. لم يكن لديها ثروة، لكن قلبها الواسع كان أغلى من أي مال، وهكذا تمكنت من مساعدة أكثر من 16,000 امرأة، مقدمة لهن ليس فقط المأوى والطعام، بل أيضًا دفء الاهتمام وصدق المشاعر.

تكريم مستحق لصانعة الأمل

في فبراير 2025، نالت خديجة القرطي، المعروفة بلقب “أم مريضات المغرب”، جائزة “صنّاع الأمل” التي يمنحها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات. وهي جائزة تكرم الشخصيات التي تقدم مبادرات إنسانية رائدة في العالم العربي. وحصلت  بموجبها على مبلغ مالي قدره مليون درهم، هي التي كان أقصى ما تمنته، كما صرحت في حوار لها مع قناة “عرب كاست”، أن  على تحصل هدية “عمرة”، وخططت مسبقا، للتصدق بها عبر قرعة لصالح إحدى المريضات. وبعد فوزها بهذا المبلغ الذي لم تكن تنظره، أعلنت أنها ستستخدمه بالكامل لتوسيع خدمات جمعيتها، من أجل الوصول إلى عدد أكبر من المريضات، مما يعد تجسيدًا نادرًا للإيثار الحقيقي.

رسالة الحاجة خديجة

خلال تصريحاتها عقب التكريم، قالت إن ما قامت به طوال 15 عامًا لم يكن سوى واجب إنساني تؤديه حبًا في الله، ولم تتوقع يومًا أن يحظى بمثل هذا التقدير الرفيع.

فمبادرة (صناع الأمل) بالنسبة لها، ليست مجرد مسابقة، بل رسالة إنسانية تلهمنا جميعًا بأن العطاء لا يعرف حدودًا، وأن لكل إنسان القدرة على إحداث فرق في حياة الآخرين، مهما كانت إمكانياته. وقالت: “لقد فتحت بابًا واحدًا، لكن الله عز وجل فتح أبوابًا”.

العطاء ليس رفاهية.. بل مسؤولية

خديجة القرطي، هذه الإنسانة البسيطة، لم تقدم فقط نموذجًا للعطاء، بل قدّمت فلسفة حياة: أن الإنسان يُقاس بما يمنحه، لا بما يملكه، وأن الإحساس بالآخر لا يتطلب ثروة، بل قلبًا ينبض بالرحمة، إذ لم تكتفِ بفتح منزلها، بل فتحت ذراعيها لكل امرأة تحتاج إلى الدعم، وأثبتت أن التضامن الحقيقي يبدأ من الإيمان بأننا جميعًا بحاجة إلى بعضنا البعض.

ففي زمن أصبحت فيه المشاعر النبيلة عملة نادرة، تُذكّرنا خديجة القرطي أن الخير لا يزال موجودًا، وأن مجرد ابتسامة أو كلمة طيبة يمكن أن تخفف من معاناة الآخرين. إنها امرأة ملهمة، لا لأنها قدمت بيتها فحسب، بل لأنها جعلت من الإحساس بالآخر رسالة حياة.

 

Exit mobile version