من التشرد إلى هارفارد: ليز موراي… حين يصبح الإصرار أقوى من القدر.
كانت تنام على مقاعد محطات المترو، وتحلّ واجباتها المدرسية على درجات السلالم، وتأكل ما تجده في قمامة المطاعم… ومع ذلك، كانت تحتفظ في أعماقها بحلم: أن تلتحق يومًا بجامعة هارفارد.
هذه ليست قصة من نسج الخيال، بل الواقع الذي عاشته ليز موراي، الفتاة التي هزمت الفقر، واليُتم، والتشرّد، لتصبح واحدة من أبرز المتحدثات الملهمات في العالم.
وُلدت ليز في حي برونكس بمدينة نيويورك لأبوين مدمنين على المخدرات. لم تعرف طفولة مستقرة، بل قضت أيامها تُصارع الجوع، والإهمال، والانكسار. كانت في الخامسة فقط حين تبدّلت الأدوار بينها وبين والدتها؛ أصبحت هي من ترعى الأم المريضة نفسيًا وجسديًا، تنظّف وتطبخ وتعتني بأسرتها في غياب أي سند.
حين بدأت المدرسة، لم تجد فيها شيئًا من الأمان. كان القمل يتساقط من شعرها، وزملاؤها يتحاشونها. تركت الدراسة في سن مبكرة، ولمّا بلغت الخامسة عشرة، فقدت والدتها بمرض الإيدز، ثم توفي والدها بعد فترة قصيرة. وهكذا، وجدت نفسها مشرّدة في شوارع نيويورك، بلا منزل، بلا أسرة، وبلا مستقبل.
لكن كل ذلك لم يُطفئ شعلة الحلم داخلها.
لحظة التحوّل
بدعم من صديقة تشاركها حياة الشارع، قررت ليز العودة إلى الدراسة الثانوية. لم تكن تملك شيئًا سوى إصرارها. نامت في المحطات، ذاكرت على الأرصفة، وكتبت واجباتها بقلم مستعار وظهر منحني من التعب. لكنها كانت تعرف إلى أين تريد أن تصل.
تقدّمت إلى مسابقة لكتابة سيرة ذاتية نظّمتها صحيفة نيويورك تايمز، وسردت قصتها بصدق وألم. لم تكن تتوقع أن تفوز، لكنها فعلت، وحصلت على منحة دراسية كاملة للدراسة في جامعة هارفارد.
من الشارع إلى قاعات الجامعة
واصلت ليز مشوارها، وتخرّجت من هارفارد عام 2009، ثم تابعت دراساتها العليا في جامعة كولومبيا. كتبت سيرتها الذاتية في كتاب بعنوان Breaking Night (كسر الظلام)، والذي تصدّر قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا.
تحوّلت قصتها إلى فيلم درامي من إنتاج BBC عام 2013 بعنوان: From Homeless to Harvard (من التشرد إلى هارفارد)، ونال الفيلم اهتمامًا واسعًا وحقق عدة جوائز.
صوت عالمي للإلهام
اليوم، تُعد ليز موراي من أبرز المتحدثين الملهمين في العالم. ألقت محاضرات في أكثر من 30 دولة، وشاركت منصات الخطابة العالمية إلى جانب أسماء مثل توني بلير، ميخائيل غورباتشوف، والدالاي لاما.
رغم كل ما عانته في طفولتها، لم تسمح للماضي أن يُقيّد مستقبلها، بل حولت كل انكسار إلى نقطة انطلاق.
لا تزال ليز موراي حتى اليوم تحاضر وتُلهم الآلاف، وتعمل كمستشارة في مجالات التعليم، وتحفيز الشباب من خلفيات صعبة، كما أسست منظمة غير ربحية تهدف إلى دعم المراهقين المحرومين وتوفير فرص التعليم لهم.
قصة ليز ليست فقط حكاية نجاة، بل شهادة حية على أن التحديات مهما بلغت قسوتها لا تستطيع كسر من يؤمن بذاته. هي دعوة لكل من يشعر أنه عالق، أن ينهض… ويكمل الطريق.
لا تقف كثيرًا عند أخطاء ماضيك، لأنها ستحيل حاضرك جحيمًا ومستقبلك حطامًا.
يكفيك منها وقفة اعتبار، تمنحك دفعة جديدة في طريق النجاح.
سر النجاح أن تمضي قدمًا، دون أن تلتفت إلى الخلف مهما كان الألم.
“كسر الظلام”: مذكرات عن رحلة حياة من التشرد إلى هارفارد..
صدر هذا الكتاب عام 2010، وهو سيرة ذاتية مؤثرة تحكي فيها ليز موراي رحلتها من التشرد القاسي في شوارع نيويورك إلى القاعات المرموقة في جامعة هارفارد.
عنوان الكتاب “Breaking Night” هو تعبير كانت تستعمله ليز في الشارع للإشارة إلى السهر حتى الفجر، وهو ما كانت تضطر إليه خوفًا من النوم في العراء.
في صفحات هذا الكتاب، لا تروي ليز فقط تفاصيل حياتها الصعبة، بل تسلط الضوء على صراعها الداخلي بين الحب والخذلان، بين الأسرة المريضة والطفلة التي كانت تبحث عن الحنان، بين الجوع والكرامة، وبين واقعها المرير وحلمها الكبير.
Breaking Night نال إشادة واسعة، وتُرجم إلى عدة لغات، كما تصدّر قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعًا.
وقد كان مصدر إلهام لفيلم السيرة الذاتية الشهير From Homeless to Harvard الذي عرض لأول مرة عام 2013، ونال إعجاب النقاد والجمهور على حد سواء.