الثامن من مارس بين الرفيقات والأخوات

حينما يوحّدنا الاختلاف: ذكريات الثامن من مارس
بقلم: مريم أبوري*
خلال أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، كلما حلّت ذكرى 8 مارس، كما تسميها طالبات الحركة الإسلامية وتنظيماتها، أو عيد المرأة كما تسميها الرفيقات اليساريات، تتجنّد طالبات الحي الجامعي لتخليده في ممر الحي، قبالة الأجنحة المخصصة للطالبات، لأنه المكان الأكثر إضاءة بعد وجبة العشاء في المطعم الذي لا طعم لأطباقه إلا مذاق (الصودا). تتجمع الأخوات والرفيقات، مشكّلاتٍ حلقةً تتردد فيها شعارات حقوق المرأة، وسرعان ما تتسع الحلقة بانضمام الطلبة وباقي الطالبات.
في أواسط الثمانينيات، لم تكن الأخوات يشاركن في هذه الحلقات، لأنهن كنّ يعتبرن أنه لا عيد في الإسلام إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى. ولأن الإسلام قد كرّم المرأة، فلسن في حاجة إلى كل هذه الحقوق والقوانين الدولية التي تدعو إليها الرفيقات، اللواتي – في نظرهن – يعملن على “تمييع” المرأة وإخراجها عن وقارها وعفتها ووو…!
كانت الأخوات يمررن أمام الحلقة وعيونهن في الأرض، مستاءات من “قلة حياء” هؤلاء الرفيقات، داعيات لهن همسًا: “الله يهديهن”.
وفي أواخر الثمانينيات، انتبهت الأخوات وتنظيماتهن إلى أن عليهن المساهمة في نقاش الحلقات، ليس للاحتفال بيومهن العالمي، ولكن للرد على “تضليلات” الرفيقات والرفاق التي تُنشر في صفوف الطالبات والطلبة، والتي – حسب رؤيتهن – تسيء للإسلام وللمرأة المسلمة.
فكانت الأخوات تدخلن في معتكف لمدة تقارب شهرًا قبل حلول الذكرى، حيث يُعددن الردود كتابةً، وقد يحفظن عن ظهر قلب بعض المداخلات النارية. كانت هذه الذكرى توحّد طالبات جميع التوجهات والتنظيمات الإسلامية، لحشد “الجهود” ومواجهة الفكر اليساري الذي يعتبرنه “هادمًا لأخلاق وأفكار الطالبات”.
بمجرد ما تفتح إحدى الرفيقات الحلقة، تلتحق بهن صاحبات الجلابيب والخمار باستحياء، لتبدأ المداخلات والمداخلات المضادة بين التوجهين اليساري والإسلامي. فتارةً ينعت اليساريون الإسلاميين بالتخلف والرجعية والخنوع لنصوص دينية تحدّ من حرية المرأة وتحرمها من حقوقها، وتارةً يتهم الإسلاميون الرفيقات والرفاق بأنهم “خارجون عن الدين” ويريدون فرض القوانين الوضعية.
نقاش حادّ يدعمه تدخل الطلبة الذكور من كلا التوجهين، نصرةً لطالبات تنظيماتهم، فيعلو صوت الجدال، وقد يتحول أحيانًا إلى سبّ وشتم ومشادات بين الطرفين.
لكن بعد ذلك، غيّرت الأخوات خطتهن، فبدأن هنّ من يفتتح الحلقات قبل الرفيقات، وصرن يُدرن النقاش دون حرج، وأصبح طرحهن أكثر تطورًا ونضجًا، مع شيء من الانفتاح على ما تقدّمه الرفيقات، أحيانًا بعنف وأحيانًا أخرى بهدوء. كانت الحلقات تستمر غالبًا إلى ما بعد منتصف الليل، حيث يكون مفعول أطباق المطعم قد زال.
تعود الطالبات إلى غرفهن للبحث عن بقايا خبز وشاي وزيت زيتون، وربما قطعة جبن “البقرة الضاحكة”، وغالبًا ما يجتمعن حول هذا الطبق، أخوات ورفيقات، لمواصلة النقاش تحت قهقهات الضحك، مما يُغضب بعض الطالبات اللواتي يوقظهن صخب الحديث.
وهكذا، تمرّ ليلة الذكرى وعيد المرأة، وقد توطدت علاقة إنسانية جميلة بين الأخوات والرفيقات، اللواتي يعشن نفس الظروف، ويعانين الحرمان من نفس الحقوق، وإن كانت كل واحدة تعبر عنها بقناعاتها المختلفة.
كان لهذا التواصل الإنساني والاجتماعي بين الفئتين دور كبير في تعميق النقاش، مما جعله أكثر نضجًا وهدوءًا وإنصاتًا للآخر. وهكذا، أصبح الاحتفال بعيد المرأة مناسبةً يشترك فيها الطرفان، ويتناوبن على تسيير الحلقات التي لا تخلو من سجالات حادة، لا يخفف من حدّتها إلا “برّاد أتاي بلا نعناع” بعد منتصف الليل، في الغرفة 45 أو 55 بجناح ابن خلدون
كل عام وأنتنّ رائعات، صديقاتي، أينما أخذتكنّ الحياة، صديقات جمعنا الحي الجامعي، خصوصًا جناح ابن خلدون.
صديقات يساريات وإسلاميات، أو “إخوانيات” كما كان يحلو لصديقاتنا الرفيقات مناداتهن.
تحية خاصة للرفيقة فاطمة الزهراء، الشرسة في الحلقات، والحنونة في الغرفة. تحية للإخوانية نادية، التي كانت تلطف الجو كلما احتد النقاش. ومن خلالكنّ، أوجّه تحية لجميع صديقات الجامعة والحي الجامعي بجميع أطيافهنّ، ولكل نساء المغرب:
“مبروك العواشر”. وكل ثامن من مارس، وأنتنّ أقرب إلى تحقيق حقوقكنّ أكثر فأكثر.
*كاتبة مغربية مقيمة بفرنسا.