“في مجتمعنا، السجائر للرجل تفسد رئتيه، والسجائر للمرأة تفسد شرفها. لا أعلم إن كان قصدهم أن المرأة بلا رئتين، أم أن الرجل أساساً بلا شرف؟ نوال السعداوي
مع كل إطلالة ليوم 8 مارس، يعود اسم نوال السعداوي إلى الواجهة، لا كذكرى فقط، بل كقضية لا تزال حاضرة في الفكر والمجتمع. فقد كانت طبيبة وكاتبة ومناضلة لم تكتفِ بتشخيص أمراض الجسد، بل غاصت في أعماق المجتمع، كاشفةً عن أوجاعه المزمنة، خاصة تلك التي تعانيها النساء. بجرأتها ووضوح رؤيتها، تركت بصمة لا تُمحى في الفكر العربي، بين من يراها أيقونة للتحرر، ومن يصفها بالمتمردة على السائد. كانت من النساء الملهات وستظل من النساء الخالدات.
نوال السعداوي: بين الإلهام والجدل…
نوال السعداوي، اسم ارتبط بقضايا المرأة والحرية والتمرد على الأوضاع الاجتماعية والثقافية السائدة في العالم العربي. لم تكن مجرد كاتبة أو طبيبة، بل صوتًا صاخبًا هزَّ الكثير من المسلمات، فواجهت من جهة إعجابًا وإلهامًا، ومن جهة أخرى رفضًا وعداءً وصل أحيانًا إلى التكفير والتهديد.
وجه الإلهام: رمزٌ للشجاعة والتنوير
بالنسبة لكثيرين، كانت نوال السعداوي نموذجًا للمرأة الجريئة الحرة، التي لم تخشَ مواجهة المجتمع بعيوبه وتناقضاته. ألهمت أجيالًا من النساء والرجال بفكرها الداعي إلى التحرر من القوالب المفروضة، سواء في قضايا المرأة أو الدين أو السياسة. لم تكن كتاباتها مجرد تحليلات نظرية، بل كانت تجربة ذاتية نابعة من معايشة الظلم والقمع، سواء في طفولتها عندما خُتنت، أو في عملها كطبيبة حيث رأت بأم عينها مآسي النساء، أو في سجون السلطة حيث دفعت ثمن جرأتها.
لم تكن كتبها مثل “المرأة والجنس” و”مذكراتي في سجن النساء”، مجرد صفحات تُقرأ، بل كانت صرخات احتجاج دوَّت في عالم مسكون بالصمت. من يراها مصدر إلهام، يجد فيها المرأة التي لم تستسلم، التي حاربت السائد وجابهت المؤسسات الدينية والسياسية بقلمها ولسانها، غير عابئة بثمن المواجهة.
وجه الجدل: مناهضة العادات أم المساس بالمقدسات؟
في المقابل، كان لها خصوم كُثر، رأوا في آرائها تجاوزًا للخطوط الحمراء، بل ومساسًا بثوابت المجتمع والدين. اتهِمت بالإلحاد، وشُنّت ضدها حملات تشويه وصلت إلى قاعات المحاكم ومنابر الفتاوى.
رأى بعض منتقديها أنها لم تكن فقط تدعو لتحرر المرأة، بل كانت تتبنى خطابًا صداميًا يصل أحيانًا إلى رفض الدين نفسه، خاصة في حديثها عن الحجاب والميراث والسلطة الذكورية في النصوص الدينية. اعتبرها البعض صوتًا غربيًا بلسان عربي، وجزءًا من مشروع فكري هدفه “علمنة” المجتمعات العربية بأساليب استفزازية لا تناسب قيمها.
بين التقدير والرفض: إرث فكري مستمر
اليوم، وبعد رحيلها، لا تزال نوال السعداوي تثير الجدل كما لو أنها لم تمت. كتبها تُقرأ، وأفكارها تناقَش، ومواقفها تُعاد تقييمها بين مؤيد يراها رمزًا للحرية والتحدي، ومعارض يراها رمزًا للتمرد المفرط الذي لم يحقق شيئًا سوى المزيد من الاستقطاب.
لكن، ما لا يختلف عليه أحد، هو أنها تركت بصمة لا تُمحى، وأثارت قضايا لم يعد ممكنًا تجاهلها. ولهذا، تستحق أن تكون ضمن قائمة “النساء الخالدات”، اللواتي لم يعشن فقط في زمنهن، بل امتد تأثيرهن عبر الأجيال، فكانت أفكارهن شرارات للتغيير، رغم وعورة الطريق الذي سلكنَه.
وربما هذا هو سرّ نوال السعداوي الحقيقي: أنها لم تكن شخصًا عاديًا يمكن تجاوزه، بل كانت موجة فكرية لا تزال تمتد، سواء أحبها الناس أو رفضوها.
شذرات من أقوالها:
كلمات لا تموت وفكر لا ينطفئ
*الإعلام الخاص خطير جدا حين يسيطر عليه فكر جماعة
كانت نوال السعداوي غزيرة الإنتاج، وأقوالها تعكس فكرها الجريء ومواقفها الصدامية تجاه السلطة الذكورية والدين والمجتمع. من أبرز أقوالها:
- عن الحرية والمرأة:
- “لا يمكن أن يتحرر مجتمع دون تحرير النساء.”
- “علموا بناتكم الاستقلال المادي حتى يبحثن عن رفيق للحياة وليس عن عائل، وعلموا أبناءكم الاستقلال المنزلي حتى يبحثوا عن حبيبة وليس عن خادمة.”
- “الحرية هي أن تقول لا في وجه من تقول له نعم عادة.”
- “يخافون من المرأة الحرة أكثر مما يخافون من الرجال الأحرار.”
- عن الدين والمجتمع:
- “لقد خلق الله الإنسان حرًا، فلماذا تستعبدونه باسم الدين؟”
- “المجتمع الذي يسمح لرجل الدين أن يتحكم في حياة الناس لا يمكن أن يتقدم.”
- عن الكتابة والفكر:
- “كلمة واحدة قد تحرر الإنسان أو تستعبده.”
- “أن تكتب يعني أن تواجه المجتمع، والسلطة، والتقاليد، والأسرة، وربما نفسك.”
- عن الخوف والمقاومة:
“حين يدخل البشر بالتفسير فيكون لنا حق التفكير.”
- “أنا لا أخاف… الخوف سجن كبير.”
- “ليس الموت هو الخطر، إنما الخطر هو الخضوع والاستسلام.”
- عن الرجل والمرأة:
- “الرجل الحقيقي لا يخاف من المرأة القوية، بل يستمد منها قوته.”
- إن شرف الإنسان رجل أو امرأة هو الصدق، صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال.
- الإنسان الشريف لا يعيش حياة مزدوجة؛ واحده فى العلانية وواحده فى الخفاء “!
“المرأة ليست نصف المجتمع فقط، بل هي التي تلد وتربي النصف الآخر.”
خاتمة:
بمناسبة 8 مارس، ونحن نحتفل بالنساء اللواتي يمثلن القوة والتغيير، ونستلهم من فكر نوال السعداوي التي دعت دائمًا إلى التحرر الفكري والحق في الاختيار والمساواة. فلتكن هذه المناسبة تذكيرًا لنا جميعًا بأهمية استقلال المرأة في كافة المجالات، وبضرورة دعمها لتحقيق ذاتها وتحدي القيود المجتمعية. تهانينا لكل امرأة ساعية نحو التغيير، وكل امرأة ترفض أن تُحصر في قالبٍ ضيق، تمامًا كما علمتنا نوال السعداوي.