“الهاربون من تندوف”: صرخة الأسرى وصمود الوطن

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق
فيلم “الهاربون من تندوف” نبض الذاكرة الجماعية، وإحياء لحظات لا ينبغي أن تُنسى
بدعوة خاصة من الزميل عبد الحق نجيب، الذي عرفته ككاتب وإعلامي متميز، صاحب البرنامج الثقافي “صدى الإبداع” على القناة الأولى، حضرت الليلة، عرض ما قبل الأول لفيلمه “الهاربون من تندوف”، في أول تجربة إخراجية له. كانت فرصة لاكتشاف وجه آخر لعبد الحق نجيب، ليس فقط كإعلامي ومثقف، بل أيضًا كمخرج وممثل يخوض غمار السينما بشغف وإبداع.
قصة الفيلم:
فيلم “الهاربون من تندوف” يحكي قصة البطل جسده عبد الحق نجيب، يبحث في حقيقة وظروف وفاة والده في معتقلات البوليساريو، الذي كان ضمن خمسة أسرى (ثلاث رجال وسيدتين).
جاء هذا الفيلم ليحمل بعدا إنسانيا ووثائقيا مؤثرا، حيث يسلط الضوء على معاناة الأسرى المغاربة في مخيمات تندوف، تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والتنكيل، في تجربة قاسية امتدت لما يقارب ربع قرن. لكن و رغم وحشية الظروف، ظل هؤلاء الأسرى متمسكين بروحهم الوطنية، وهو ما منحهم القوة للصمود، وصولًا إلى لحظة الهروب من هذا الجحيم.
إخراج وتمثيل: مغامرة جريئة رغم التحديات
يُحسب للفيلم أنه يمثل أول تجربة إخراجية وتمثيلية لنجيب، وهي مغامرة ليست بالهينة، خاصة أنها جاءت بإنتاج ذاتي وإمكانيات محدودة. (كما أعلن عن ذلك نجيب خلال تقديمه للفيلم وفريق العمل، مشيرا إلى مبادرة جميلة من قبل الناخب الوطني وليد الركراكي الذي رحب بفكرة الفيلم، ولم يتوانَ لحظة في مد يد المساعدة (ماديا طبعا) لدعم المشروع دون أي تردد.
الإخراج أظهر اجتهادًا واضحًا، سواء في بناء المشاهد أو في خلق أجواء من التوتر والترقب، رغم بعض التحديات التقنية التي ظهرت في بعض زوايا التصوير والإضاءة.
أما التمثيل، فقد جاء في مستوى جيد، إذ نجح الفيلم في تحقيق توازن لافت بين مشاعر الأسرى المليئة بالألم والمعاناة، وبين قسوة السجانين التي جسّدها الممثلون بواقعية صادمة. جاءت تعابير الأسرى محمّلة بالخوف والأمل، بينما ظهر السجانون ببرودة متجردة من الإنسانية، ما عزز التباين الدرامي وأضفى على المشاهد قوة وتأثيرا عاطفيا عميقا.
شارك في الفيلم كل من إدريس الروخ ومحمد الشوبي وكمال حيمود وياسين عبد القادر ومحسن مونتكي ومحمد سموكة وكريم أوجيل وعبد الحق نجيب وإيمان قنديلي وعلياء بن شيخ
على المستوى التقني، واجه الفيلم بعض الصعوبات، وهو أمر متوقع بالنظر إلى محدودية الإنتاج. بعض الهفوات ظهرت في زوايا التصوير والإضاءة، وكان يمكن استثمار بعض المشاهد بشكل أقوى لتعزيز التأثير البصري والانفعالي.
بالنسبة للموسيقى التصويرية، فرغم أنها سعت إلى دعم المشاهد وإيصال الإحساس العام للقصة، إلا أنها لم تكن دائمًا في مستوى التعبير عن ثقل الأحداث والمعاناة التي يجسدها الفيلم، ما جعلها من العناصر التي كان بالإمكان تحسينها بشكل أكبر، قد اذكر بالخصوص لقطة وفاة والد البطل في الطريق وسط الصحراء ومشهد وصول الأسرى الناجون إلى الحدود المغربية واستقبالهم من قبل حماة الوطن.
تحية تقدير للفنان محمد الشوبي
من اللحظات المفاجئة والجميلة، في هذا الحدث السينمائي، الحضور المتميز للفنان القدير محمد الشوبي، الذي رغم حالته الصحية التي يعرفها الجميع، أصر على حضور العرض، في موقف يعكس التزامه العميق بالفن والسينما. استقبله الجمهور بوقوف وتصفيق حار، تعبيرًا عن تقديرهم لمكانته وعطائه الفني المستمر.
أما في الفيلم، فقد قدم دورا محوريا ببراعة جعلت أداءه أحد أقوى عناصر العمل. تمكن من تجسيد الشخصية بإقناع وتأثير عاطفي قوي، ما أضفى بعدا دراميا إضافيا للفيلم، ورسّخ حضوره كممثل قادر على نقل أعقد المشاعر بمهارة وتلقائية.
خاتمة: تجربة تستحق التقدير والتشجيع
رغم بعض الهفوات التقنية، فإن الفيلم يظل تجربة شجاعة تستحق الدعم والتنويه، سواء من حيث جرأة الطرح أو من حيث المجهود الإبداعي المبذول في الإخراج والتمثيل. إنها خطوة أولى موفقة تحسب للزميل/ الفنان عبد الحق نجيب في عالم السينما، وتؤكد أن السينما يمكنها أن تكون أداة قوية لنقل قضايا إنسانية ووطنية تستحق تسليط الضوء عليها.
فالوطنية لم تكن مجرد شعار، بل عنصرا جوهريا في الفيلم، حيث أظهرت كيف كانت الروح الوطنية هي السلاح الحقيقي الذي مكّن الأسرى من الصمود أمام محنتهم.
“هاربون من تندوف” عمل يعكس اجتهادًا واضحًا، ويستحق المشاهدة، خاصة أنه يسلط الضوء على جزء من تاريخنا الوطني الذي لا يجب أن يُنسى.برافو للفنان عبد الحق نجيب ولكل فريق عمل هذا العمل الذي أكيد سيجد مكانه في المهرجانات الوطنية والدولية.