انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

رشيد اليزمي:بين التقدير العالمي والتجاهل المحلي

بسمة نسائية/ عزيزة حلاق

في كل مرة يعلن فيها العالم المغربي رشيد اليزمي عن إنجاز جديد في مجال التكنولوجيا أو الطاقة النظيفة، عبر تدويناته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، أجد نفسي أمام سؤال مُلِح: لماذا تُحتفى بإنجازات علماءنا في الخارج، بينما يظل الداخل غافلًا عنهم؟

رشيد اليزمي، الذي أحدث ثورة في بطاريات الليثيوم وصناعة الطاقة المستدامة، يحظى بتقدير عالمي لا يخفى على أحد، ومع ذلك يظل حضوره في المشهد المحلي باهتا.

أليس من المؤسف أن تكون مصادرنا لمعرفة إنجازاته هي صفحاته الشخصية بدل أن تكون أخباره تتصدر عناوين الصحف؟

هذا التناقض بين التقدير العالمي والتجاهل المحلي يطرح تساؤلات أعمق حول كيفية تعاملنا مع عقولنا المبدعة، وحول دورنا في إبراز هؤلاء الخبراء كمصدر إلهام للأجيال القادمة؟

آخر ابتكارات رشيد اليزمي ( أبو البطاريات)

في تدوينته الأخيرة، أعلن رشيد اليزمي، الملقب، (بأبو البطاريات)، حصوله على براءة اختراع جديدة من طرف الصين، هذه المرة حول سلامة بطاريات السيارات، بعدما سبق أن حصل على براءة اختراع أخرى من الصين حول الشحن السريع للبطاريات، وبراءة اختراع من اليابان حول شحن أسرع لبطاريات الليثيوم بالأجهزة الإلكترونية والسيارات الكهربائية.

وقال اليزمي في تدوينة على حسابه بموقع “فيسبوك”، إن “براءات الاختراع الصينية تتبع بعضها البعض وليست متشابهة”، مشيرا إلى حصوله على براءة اختراع جديدة منحتها الصين له حول سلامة البطاريات.

وأوضح العالم المغربي المتخصص في بطاريات الليثيوم، في التدوينة ذاتها، إلى أن الأمر يتعلق بحماية البطاريات من ظهور تماس كهربائي داخلي في البطارية يكون السبب الرئيسي في اشتعالها وانفجارها.

واعتبر اليزمي أن هذا التقدم التكنولوجي من شأنه أن يجعل، من بين الأنظمة الكهربائية الأخرى، السيارات الكهربائية أكثر أمانا، وسيتجنب الحوادث التي تسبب الإصابات وخسائر الأرواح.

لماذا لا نقدر في وطننا مثل هذه الكفاءات؟ 

في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا والطاقة النظيفة، يبرز اسم العالم المغربي رشيد اليزمي كواحد من أعظم المساهمين في تطوير بطاريات الليثيوم، التي أحدثت ثورة في الأجهزة المحمولة والسيارات الكهربائية. إنجازاته العلمية والتكنولوجية جعلته محل تقدير عالمي، إلا أن قصته تكشف عن مفارقة مؤلمة تعاني منها العديد من الدول العربية: تجاهل علماءها وخبرائها في الداخل، في الوقت الذي يحتفي بهم العالم في الخارج.

المفارقة المؤلمة: اعتراف في الخارج وغياب التقدير في الداخل

قصة رشيد اليزمي ليست استثناءً، بل هي جزء من ظاهرة أوسع تُعرف بـ”هجرة العقول”. العديد من العلماء العرب يضطرون لمغادرة أوطانهم بسبب غياب البنية التحتية البحثية، وندرة التمويل، وضعف السياسات العلمية. في المقابل، يجد هؤلاء العلماء بيئة حاضنة في الخارج، حيث تُقدر إنجازاتهم وتُتاح لهم الموارد لتحقيق طموحاتهم.

المفارقة الأكثر إيلاما، هي أن الدول العربية، التي تحتاج إلى الابتكار والبحث العلمي لدفع عجلة التنمية، لا تستثمر بما يكفي في كفاءاتها. عوضا عن ذلك، تُهدر الطاقات بسبب البيروقراطية والمحسوبية، مما يدفع العلماء إلى البحث عن فرص أفضل في الخارج.

اليزمي: رحلة التميز العلمي

ولد رشيد اليزمي يوم 16 أبريل/نيسان 1953 لأسرة فقيرة في مدينة فاس المغربية ونشأ بها في منطقة تسمى حي الشهداء، وتلقى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي.

هو الثاني بين سبعة إخوة أشقاء، تلقى تربية صارمة من والده الذي كان بائعا لمنتجات الألبان. اكتشف والده ذات يوم أن معلمه لم يحاسب ابنه على أخطائه في أحد الواجبات، ولما تكرر منه الأمر نفسه للمرة الثانية سحب ابنه من المؤسسة رغم توسلات معلمه.

عرف بطموحه الكبير مند صغره، وكانت له ميولات علمية مبكرة وخاصة في الجيولوجيا، ويقول في تصريحات صحافية إن أستاذه في الفيزياء والكيمياء بثانوية مولاي رشيد، وكان عمره حينئذ بين 11 و12 عاما، قال له ذات يوم “أنت ستكون عالما في الكيمياء”، وأعاد العبارة نفسها على مسامعه أحد أساتذته في جامعة غرونوبل بفرنسا بعد أن التحق بها طالبا في سلك الدكتوراه.

في سبعينيات القرن الماضي، بدأ رحلته البحثية التي ستغير مستقبل التكنولوجيا، عندما طور مفهوم إدماج الغرافيت في بطاريات الليثيوم، ما أدى إلى تحسين كفاءتها وأمانها. هذا الابتكار لا يزال حجر الزاوية في صناعة البطاريات الحديثة.

رغم حصوله على العديد من الجوائز الدولية، بما في ذلك جائزة “Charles Stark Draper Prize” التي تُعتبر بمثابة جائزة نوبل للهندسة، لم يحظ اليزمي بالاهتمام الذي يستحقه في وطنه إلا متأخراً. وبينما عمل في أرقى المعاهد والمختبرات العالمية، ظل اسمه غير مألوف للكثيرين في المغرب والعالم العربي..

لديه ما حتى الآن أزيد من 180 براءة اختراع، ونشر أكثر من 250 بحثا علميا، وبفضل إنجازاته العلمية تم تصنيفه ضمن أهم 10 شخصيات مسلمة في العام 2015

رشيد اليزمي ممتن لوطنه ولمعلميه ووالدته

حين سئل مرة، رشيد اليزمي لمن هو ممتن في حياته، ذكر المغرب ووطنه. ومعلميه  بالمدرسة العمومية، وأساتذته في المراحل الدراسية الأولى، وقبلهما وأولهما والدته.

يستحضر اليزمي في كل حواراته، أن أستاذه أخبره وهو تلميذ في سن الـ12 بأنه سيكون عالم كيمياء، كما أن خطأ وبخه عليه أستاذه في جامعة غرونوبل بفرنسا قاده إلى أعظم ابتكاراته..

رشيد اليزمي مرضي ميمتو

الاعتزاز بالأم المغربية وجه مشرق في كل محفل..

رشيد اليزمي، الذي غير العالم بابتكاراته في مجال الطاقة، هو أيضا نموذج للتواضع والوفاء. فرغم أنه وصل إلى سن متقدم ، إلا أنه ظل مرتبطا بوالدته بشكل ملفت، إذ نجده يحرص على مرافقتها له، حاضرة دائمًا في نجاحاته، تمثل قوة خفية وراء هذا العالم الكبير. إن قصة رشيد اليزمي ووالدته ليست فقط عن العلم والاختراع، بل هي أيضا درس في التقدير العائلي والاعتراف بالجميل.

فلطالما عبّر عن ارتباطه الوثيق بوالدته، التي يعتبرها مصدر إلهام ودافعا أساسيًا في حياته. والدته، المعروفة بدعمها الدائم له، كانت ترافقه في العديد من المحافل العلمية والتكريمية، مما يعكس العلاقة القوية بينهما. في لقاءات سابقة، تحدث اليزمي بفخر عن دورها في تربيته وتحفيزه لتحقيق النجاح، مشيرا إلى أن دعمها النفسي والروحي كان له تأثير عميق على مسيرته. ويعتبرها رمزًا للتضحية والعطاء، ويحرص على أن تشارك في لحظات نجاحه، تقديرًا لدورها في حياته. هذا الجانب الإنساني يضيف بُعدًا آخر لشخصيته، ويظهر تواضعه وقيمه العائلية الراسخة.

خاتمة

إن قصة رشيد اليزمي ليست مجرد قصة نجاح فردية، بل هي مرآة تعكس التحديات التي تواجهها الدول العربية في استثمار كفاءاتها العلمية. العالم العربي مليء بالعقول اللامعة التي يمكنها إحداث تغييرات جذرية في مستقبل المنطقة، إذا ما وجدت الدعم والتقدير. إن استعادة الثقة في العلماء والخبراء العرب تبدأ من الاعتراف بدورهم وإعطائهم المكانة التي يستحقونها في أوطانهم، قبل أن تحتفي بهم دول أخرى.

 

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا