رقية أشمال:مونية المنصور كاتبة مسكونة بهواجس القيم في مجتمع ماكدونالدي
الإعلامية مونية المنصور في ضيافة المقهى الثقافي

في إطار أنشطتها الثقافية الإشعاعية خلال الموسم الثقافي الحالي2024، وعلى بعد أيام من السنة الجديدة، نظمت شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب، حفل توقيع كتاب ” التلفزيون المغربي وصناعة القيم” دراسة تحليلية موضوعاتية، للإعلامية والباحثة الدكتورة مونية المنصور، قدمتها الدكتورة رقية أشمال أستاذة القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط.
ولكل غاية مفيدة، نعيد نشر القراءة التي قدمتها الأستاذة رقية أشمال، التي أشادت بمضمون الكتاب، وأصالة الطرح، وقيمته الفكرية، والإعلامية. مما يجعله مرجعا قيما لكل قارئ مهتم. وقالت أشمال عن الكاتبة مونية المنصور:”
تنتمي الكاتبة إلى طينة أولئك النادرون من المثقفين اليقظين في مجتمع يغط بالنوم بتعبير أوريد، هذه ”اليقظة ”، لا تعادل قيمة تقديمها، كلفة ما صرفته من عمرها، وأعصابها، وفكرها مع ورفقة الحرف بشكل متواتر سائلا وصلبا انتصارا للقيم ..انتصارا للإنسان … فتظل زوايا قراءتنا جد محدودة ومقصرة مهما أبدعت لأنها وحدها تمتلك أسرار ذلك.
وهذا نص الورقة:
بقلم: د. رقية أشمال
يقول هنري ديفد ثورو :” الكتب هي ثروة العالم المخزونة و أفضل إرث للأجيال و الأمم.” لمن يمتلك جرأة الفعل والإقدام على الأمر
كتاب التلفزيون المغربي وصناعة القيم باكورة أعمال الصديقة مونية المنصور التي استطاعت أن تستثمر من خلال رشاقتها الذهنية التوليف بين المسار المهني والبحثي، كابن رابع ذهني ينضاف إلى قائمة أبنائها البيولوجيين، محرضة اياها على مزيد من تكثير سواد الكتب.
القراءة هي محاولة اختزال رؤية من زوايا معينة لكتاب ما/تجربة إنسانية، تظل من الصعوبة مهما يكن من تملك مهارات، ضبطها في عدد من الخطوط أو الورقات ، ولذلك سأعتبر هاته المحاولة تقف ك”زوم” عند حدود زوايا معينة تجاسر فيها التقاطع بين ما جاد بها الكتاب ومواضيع الاهتمام بصفة بحثية.
تأسيسا على ذلك الورقة هي محاولة تقديم الكتاب من خلال ثلاثة وقفات:
الوقفة الأولى / إصدار الصحفيين للكتب؛
الوقفة الثانية/ عن الكاتبة والإعلامية المهنية؛
الوقفة الثالثة / الكتاب كتوليفة رسائل قيمية .
الوقفة الأولى: إصدار الصحفيين للكتب
انتفى الفرق بين الصحفي والكاتب وبين الصحفي والأستاذ في ظاهرة إصدار الصحفيين للكتب، وإن كانت والحالة هاته – الأستاذة مونية المنصور – تتخطاها على اعتبار أنها تحمل الصفتين؛ الباحثة والصحفية.
فقائمة الصحفيين الكتاب، عادة ما تشمل قائمة المثقفين الذين يتفرغون لتقاسم تجربتهم مع الجمهور الواسع؛ وعلى العكس نجد صحفيين يميلون إلى إصدار مؤلفات تعتمد على منحى التفكير أو التحقيقات.
إن رهان هذا التنظيم ” إصدار الكتب ” يكمن حسب بيير بورديو في قائمة المثقفين المتخصصين: ” إنه يتلخص، إن من خلال سؤال فصل الحدود بين الصحفي والحقل الثقافي، يخرج فيه الصحفيون منتصرين من ممارسات كهذه، بما أنهم يكشفون الغطاء لأنفسهم، فإنهم يلغون دون وعي الانفلات من قبضة المثقفين ورجال الصحافة من أجل الصعود إلى قانون الكاتب بشكل كلي.”
ويضيف بورديو: ” على الأقل في نظر الجمهور، إن رؤيتهم الاجتماعية جاوزت رؤية الكتاب من خلال تأسيس مشروعية جديدة على حساب رؤية الحقل الصحفي الذي يرتبط به ويرتبطون تدريجيا بأحكامهم”.
هكذا تختار الأستاذة مونية المنصور الصحفية الصعود برآها إلى مدارج موسعة لمشروعية جديدة هي مشروعية الكتابة والتأليف، كاتبة ومؤلفة، أعلى قليلا وموسعة عن الجنس الصحفي الذي اشتغلت عليه من خلال التلفزيون عبر تجربتها قي القناة الثقافية.
في سنة 1960 كتب لازان فايلد ” التيار الوظيفي لمؤثرات وسائل الإعلام، في دراسة خلص فيها من جملة ما خلص إليه: ” التواصل الجماهيري ليس سببا ضروريا وكافيا للتأثيرات على الحضور/ الجمهور، إنه يشتغل من خلال تظافر العوامل الوسائطية.”
لذلك سنجد ذكاء مونية المنصور يلتقط الإشارة مبكرا، فيختار الانتقال، مبقيا على موجة الاهتمام الإعلامي السائل، إلى الكتابة الصلبة على الورق
ثانيا: الكاتبة، خلفية المهنية الإنسانة
مُوقعة هذا المنجز البحثي، النافذ على قضايا حارقة تخص مسألة القيم؛ مونية المنصور، شقاوتها مرتبطة بالكتابة والإبداع، صحفية، مثقفة عضوية، منتصرة للإنسان بكل خصوصيات أسننته، كل ذلك هي مفرد في صيغة المتعدد، الملتزم بقضايا الإنسان في علاقته مع الفضاء العام في أصغر أنويته؛ بدء من الأسرة.
لذلك تظل من الصعوبة جدا مهمة إلقاء القبض على تقديم يليق بحجم طاقة إنسانية مسكونة بهواجس القيم في مجتمع ماكدونالدي متحول حد التعب وبالتعب حد استقراء رزية وفاعلية هذه القيم وتشفيرها في لغة الكتابة، إنها تنتمي إلى طينة أولئك النادرون من المثقفين اليقظين في مجتمع يغط بالنوم بتعبير أوريد ، هذه ”اليقظة ” الكاتبة مونية المنصور ، لا تعادل قيمة تقديمها ، كلفة ما صرفته من عمرها ، وأعصابها ، وفكرها مع ورفقة الحرف بشكل متواتر سائلا وصلبا انتصارا للقيم ..انتصارا للإنسان … فتظل زوايا قراءتنا جد محدودة ومقصرة مهما أبدعت لأنها وحدها تمتلك أسرار ذلك.
يكفي أن نقول أن خلفية مونية المنصور التي تمرست منهجيا على فعل الإعداد والتقديم الإعلامي أمهرت بيداغوجيا التواصل المكتوب، إذ عرفت من خلالها كيف تمرّنها على مستوى التعامل مع جمهور القراء بأسلوب يستوعب كل الفئات ولغة دقيقة وعميقة تخاطب كل العينات.
ثالثا: الكتاب كتوليفة رسائل قيمية للتلفزيون، للأسرة وللعموم
دراسة تحليلية تزاوج بين الماكرو والميكرو في البعدين النظري والميداني من خلال الانكباب على دراسة حالة برنامج مداولة.
المنجز البحثي الصادر عن منشورات مكتبة السلام الجديدة بالدار البيضاء، التلفزيون المغربي وصناعة القيم يقع في 311 صفحة، منهجيا خضع لتقسيم ثنائي من قسمين؛
قسم أول هم الأسرة والتلفزيون:
تأصيلا نظريا وانتقالا رشيقا بإشكالات القيم في المجتمع المتحول من خلال فحص نظريات الغرس الثقافي المهتمة بتحليل أثر التلفزيون على تمثلات الواقع الاجتماعي عبورا بنظرية المسؤولية الاجتماعية التي تجسر بين وظيفة وسائل الإعلام بسلم القيم داخل المجتمع.
ثم قسم ثان انكب بالتحليل والدراسة على عينات من حلقات برنامج مداولة، وهو اختيار مشفوع بنسبة انحياز المشاهدة العالية للجمهور المغربي له (تجاوز عتبة ثلاث مليون مشاهدة) .
الذكاء العلمي للباحثة في هذا التوليف يكمن في دقتها قي اختيار عناصر شبكة الملاحظة وقدرتها الدقيقة على التحليل والتفسير ومناقشة النتائج من خلال استدعائها لأهمية المشاهدة الجماعية في تدعيم القيم الأسرية، تبئيرها على القضايا الاجتماعية المطروحة على طاولة مداولة، والتي تعيد المقترحات الجديدة المتعلقة بمدونة الأسرة جدتها وراهنيتها (الزواج ، الخطبة ، زواج القاصر، التحرش وغيرها من القضايا الاجتماعية ( الهجرة ، العلاقة مع الوالدين ، النصب والاحتيال ، البطالة ، كبار السن…
وهي سمات الاسر المفككة التي أصبحت في تنام نظرا لتحولات المجتمع المادي الذي يتكيئ على ديناميكية قيم متحولة ..حيث يبدو التلفزيون ينحو باتجاه تشكيل وعي الأطفال في محاولة رسم ملامح القدوة المطلوبة حسب المعايير الاجتماعية.
الانتصار للقيم: استدعاء تيمات الصداقة، الجوار، العلم
بذلك تكون الرسائل القيمية بمثابة قارورة زجاجية شفافة تكشف عن كل هاته الروح، من خلال عينة / زاوية ما نظر إليها في هاته الورقة ، وبذلك أيضا – وبه أختم – يكون الكتاب( المرافعة ) قد اختار لصاحبه دون أن يختار هو (الكاتب) صفة المحامي عن أولويات القيم في مجتمع الأسر النووية ، تكشف لنا أيضا عن مهارة مترافعة متبصرة خبرت أدلة وحجاج وفصاحة الترافع عن دربة ومراس.
لأجل كل ما ذكر، أحرضها من موقعي كصديقة وأخت وزميلة باحثة، على مزيد من الالتصاق بالحرف، فما أحوج رفوف مكتباتنا ومشاتلنا للتعبئة المجتمعية أيضا إلى أقلام تكتب بالدم بيقظة جهاز الكبد على المجتمع، بالصدق والنزاهة والكبرياء المتعفف توسيعا لمساحات الضوء.