رحمة المودن، عنوان لقصة ملهمة لامرأة مغربية بدأت من الصفر وصولاً إلى عالم ريادة الأعمال في هولندا. هاجرت إلى هولندا في السبعينات من القرن الماضي، وعمرها لا يتجاوز 17 سنة. بدأت حياتها بالعاصمة أمستردام، كعاملة نظافة بسيطة. واجهت تحديات ثقافية ولغوية كبيرة. لم تستسلم رحمة للصعوبات والتحديات، بل استخدمتها كدافع لتحقيق طموحاتها في بيئة جديدة. واستغلت تلك الظروف لتحقق حلمها بإطلاق مشروعها الخاص.
أسست شركتها المتخصصة في خدمات النظافة في أواخر الثمانينات، ونمت شركتها لتصبح من بين كبرى الشركات في هذا المجال، مع إيرادات تجاوزت 8 ملايين يورو وأكثر من 400 موظف.
دونت رحمة المودن قصتها في كتاب نشر أول مرة بالهولندية، قبل أن يترجم ويصدر عن مؤسسة، دار سوشبرس للنشر، بدعم من مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، بعنوان “رحمة: “الطريق نحو حريتي”.
ويوم الثلاثاء المنصرم 12 نوفمبر، كانت لنا فرصة الإبحار في عوالم هذه السيدة في جلسة بوح حميمية نظمها مجلس الجالية بشراكة مع المعهد الثقافي الهولندي. وتألقت في محاورتها الشاعرة والكاتبة سكينة حبيب الله.
لم تكن رحلة النجاح هذه سهلة، فقد اضطرت رحمة إلى مواجهة تحديات كثيرة تفرضها البيئة الجديدة وتقاليد العمل في أوروبا، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية المرتبطة بكونها مغربية ومسلمة في مجتمع غربي. لكنها آمنت بأنها قادرة على رفع التحدي وربح الرهان بكلمة واحدة جعلتها نبراس حياتها: الحلم تم الحلم تم الحلم…
كلمة حلم كتبتها ولخصتها في جملة قصيرة عند توقيع وإهداء كتابها فجاءت كنصيحة وخلاصة تجربة أنقلها لقراء بسمة: اتبع حلمك دائما ولا تستسلم أبدا، استمتع بقراءة هذا الكتاب.
عندما وصلت رحمة إلى هولندا، وجدت أن فرص العمل المتاحة أمامها محدودة، لذا بدأت حياتها المهنية كعاملة نظافة. لكنها كانت تحمل طموحاً أكبر من مجرد عمل تقليدي، وكانت لديها رغبة قوية في تحسين أوضاعها المعيشية وتأسيس لحياة كريمة. بعد سنوات من العمل، لاحظت رحمة وجود نقص في الشركات التي تهتم بتقديم خدمات تنظيف متكاملة وذات جودة. ومن هنا جاءت فكرتها لتأسيس شركتها الخاصة.
لم تتوقف رحمة عن التعلم وتطوير مهاراتها، وكانت تحرص على تقديم أفضل خدمة لعملائها، مما ساهم في بناء سمعة قوية لشركتها.
تقول إن أسرتها وزوجها كانوا داعمين لها، وكانت ابنتها على وجه الخصوص مصدر دعم ومرافقة لها في مسيرتها. وهو ما جعلها تسند لها رئاسة الشركة لتتولى مكانها في إدارة أعمالها، وتفرغت هي إلى مشاريع خيرية وبرامج لتأهيل الشباب. فبعد أن أنشأت بعض منها في هولندا تسعى جاهدة اليوم لإحداث مبادرات مماثلة في المغرب للمساهمة في تقديم برامج تدريبية لتمكين الشباب من دخول سوق العمل بمهارات قوية.
تعكس قصة رحمة المودن قيمة الطموح والمثابرة والحلم في النجاح، وقصتها هي اليوم قصة ملهمة للنساء في هولندا والمغرب، حيث تحثّ المرأة دائماً على الايمان بقدراتها والإصرار والمثابرة والمبادرة في سبيل تحقيق أحلامها وذاتها.
من خلال كتابها، تقدم السيدة رحمة المودن رؤية فريدة حول وضع المرأة، موضحة كيف يجمع مسارها، من المغرب إلى هولندا، بين التمسك بالجذور والانفتاح. وتكتب في كتابها: “لقد تعلمت ألا أستسلم أبدًا، سواء في طنجة حيث نشأت أو في أمستردام حيث بنيت حريتي”، مما يبرز التحديات والنجاحات التي عاشتها بين ثقافتين.
تعتبر رحمة المودن نموذج لنجاح المرأة المغربية والعربية أمام العالم بأسره، سيدة استثنائية أثارت الإعجاب على وسائل الإعلام الغربي، وأصبحت موضع اهتمام لكل من يأخذ عبرته من قصص النجاح الواقعية التي تتحدى المستحيل، حتى باتت درسا في الثقة وقوة الإرادة.
الكتاب سيكون متاحاً في المكتبات، وكذلك في المنصات الإلكترونية في المغرب والخارج، من أجل تسهيل وصوله إلى المغاربة، في جميع أنحاء العالم.
في اختتام هذا اللقاء، وضمن مداخلات وأسئلة القاعة، سجل الحضور لحظة انسانية مؤثرة ميزت هذه الجلسة، حين أخد الكلمة متدخل وعرف نفسه بوصفه قنصل عام سابق بأمستردام وحين قدم اسمه أحمد الإفراني، همت السيدة رحمة واقفة مرتبكة ومبتسمة، اختلطت عليها مشاعر المفاجأة والفرح، وتوجهت نحوه وعانقته بحرارة لافتة، معبرة عن سعادتها برؤيته ولقاءه بعد غياب التواصل به دام لسنوات. لنفهم منهما أنه كان وراء اختيارها قبل 20 سنة، ضمن الوفد الذي يمثل الجالية المغربية والذي يحظى باستقبال جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش. وكانت السيدة رحمة قد منحتها هولندا وقتها لقب امرأة السنة.