انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

رشيدة داتي: من أصول متواضعة إلى القمة السياسية في فرنسا

بقلم: عزيزة حلاق

وصلت رشيدة داتي في رحلة من أصول متواضعة إلى القمة السياسية بفرنسا، كيف تم ذلك؟

تُعتبر رشيدة داتي واحدة من أبرز الشخصيات السياسية في فرنسا، حيث حققت إنجازات بارزة واحتلت مناصب قيادية عالية، لتصبح رمزًا للمرأة العربية الناجحة في المجال السياسي الفرنسي. ومع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، تتجدد التساؤلات حول علاقة رشيدة داتي، ذات الأصول المغربية، ببلد أجدادها وتأثير هذه الروابط على مسيرتها السياسية. في هذا المقال، نستعرض حياة رشيدة داتي، صعودها السياسي، وعلاقتها بكل من المغرب وفرنسا، في ضوء مستجدات الساحة السياسية بين البلدين.

من هي رشيدة داتي؟ خلفية عائلية متواضعة ونشأة طموحة

ولدت رشيدة داتي في 27 نوفمبر 1965 في سانت ريمي، بمنطقة سون-إي-لوار الفرنسية، لأبوين مهاجرين من المغرب والجزائر. كانت عائلتها كبيرة، حيث كانت رشيدة ثاني طفل من بين اثني عشر أخًا وأختًا، مما جعل طفولتها مليئة بالمسؤوليات الأسرية ومساعدة والدتها في رعاية أشقائها الأصغر. وقد نشأت في بيئة متواضعة في شالون سور ساون، حيث كان والدها مبارك داتي يعمل كعامل بناء بعد انتقاله إلى فرنسا في أوائل الستينات.

تلقت رشيدة تعليمها الأساسي في مدرسة كاثوليكية، حيث أظهرت منذ صغرها تفوقًا دراسيًا وموهبة واضحة، مما جذب الأنظار إلى شخصيتها الطموحة. ومع نضوجها، التحقت بالجامعة لدراسة العلوم الاقتصادية والقانون، وفي الوقت ذاته، كانت تعمل في وظائف بسيطة لدعم نفسها ماليًا، مما أكسبها مهارات عملية وخبرات مبكرة أهلتها للانطلاق في عالم السياسة.

بداية مشوارها المهني: من مهنة القانون إلى العمل السياسي

بدأت رشيدة داتي حياتها المهنية في مجال القانون، حيث كانت تعمل كموظفة وثائق في مجموعة “آرثر لويد” العقارية. وفي عام 1986، حضرت حدثًا هامًا في السفارة الجزائرية في باريس، حيث التقت بوزير العدل آنذاك، ألبين شالاندون. تأثر الوزير بثقتها وطموحها، وساعدها في الحصول على وظيفة كمسؤولة دراسات مالية في مجموعة “إلف أكيتان” في 1987.

بفضل هذا الدعم، واصلت رشيدة داتي بناء خبراتها المهنية وانتقلت بين عدة وظائف في شركات كبرى، مثل “ماترا كوميونيكيشن”، و”البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير”، و”شركة ليونيز دي زو”. هذه التجارب أضافت إليها مهارات إدارية ومعرفية أهلتها لمتابعة دراساتها العليا، حيث حصلت على شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية عام 1991، وشهادة في القانون العام عام 1996.

في عام 1997، التحقت رشيدة داتي بالمدرسة الوطنية للقضاء، وتخرجت في 1999 كقاضية. بدأت مسيرتها القانونية كمدعية عامة لدى المحكمة الكبرى في إيفري، حيث جذبت اهتمام المسؤولين بفضل كفاءتها وأدائها الاستثنائي، مما فتح أمامها الأبواب للانخراط في العمل السياسي.

الشراكة السياسية مع نيكولا ساركوزي: بداية النجاح السياسي

شكل عام 2002 نقطة تحول محورية في مسيرة رشيدة داتي السياسية، حيث تعرفت على نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية آنذاك، الذي أُعجب بحيويتها وكفاءتها. عيّنها ساركوزي في منصب مستشارة فنية، ثم نقلها إلى وزارة الاقتصاد والمالية في 2004 كمستشارة للشؤون الاقتصادية.

في عام 2007، انضمت رشيدة داتي إلى حملة ساركوزي الرئاسية كمتحدثة باسمه، وكان نجاح الحملة خطوة أخرى نحو صعودها السياسي. بعد فوز ساركوزي في الانتخابات، عُينت كوزيرة للعدل، لتصبح أول امرأة من أصول مغاربية تتولى هذا المنصب الرفيع. خلال توليها حقيبة العدل، عملت على إصلاح النظام القضائي، بما في ذلك تعديلات على قانون القُصّر وإعادة توزيع المحاكم.

تولي رئاسة بلدية باريس السابع ومسيرتها في البرلمان الأوروبي

لم تقتصر طموحات رشيدة داتي على المناصب الوزارية، ففي عام 2008، قادت قائمة حزب “الاتحاد من أجل حركة شعبية” في الانتخابات البلدية بالدائرة السابعة في باريس وفازت بها، لتصبح رئيسة البلدية. نجحت في إعادة انتخابها في 2014، لتحتفظ بمنصبها رغم التحديات.

وفي عام 2009، انتُخبت كعضو في البرلمان الأوروبي، حيث دافعت عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية من خلال عضويتها في لجان مختصة. وقد أُعيد انتخابها في 2014، وواصلت جهودها في الدفاع عن المصالح الفرنسية والأوروبية في المجالات الاقتصادية والعلاقات الدولية.

علاقتها بالمغرب ومواقفها تجاه المغرب

رغم مسيرتها السياسية الفرنسية البحتة، لم تنس رشيدة داتي أصولها المغربية. فقد وُلد والدها في المغرب ونشأت عائلتها في بيئة مغربية في فرنسا، مما ساعدها على الحفاظ على روابطها الثقافية ببلدها الأصلي. تثير زياراتها للمغرب ولقاءاتها مع المسؤولين المغاربة اهتمام المتابعين، إذ يرى البعض في ذلك دليلاً على محاولة فرنسا تعزيز علاقاتها مع المغرب عبر الشخصيات المؤثرة من أصول مغاربية.

مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، يُتوقع أن تلعب رشيدة داتي دورًا في تعزيز الروابط الثقافية والسياسية بين فرنسا والمغرب، حيث قد تسهم في تقديم رؤى مشتركة حول التعاون الاقتصادي والتنموي، إضافة إلى قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب.

حياتها الخاصة والنجاحات الشخصية

رغم نجاحاتها المهنية، حافظت رشيدة داتي على حياة شخصية خاصة نوعًا ما. وفي عام 2009، أنجبت ابنتها زهراء، التي أطلقت عليها هذا الاسم تخليدًا لذكرى والدتها. أثارت قضية نسب ابنتها بعض الجدل في الإعلام، خاصة بعد أن رفعت قضية اعتراف بالنسب على رجل الأعمال دومينيك داسيجن، الذي رفض الاعتراف ببنوة الطفلة. وقد قضت المحكمة في النهاية لصالح داتي، مما أدى إلى فرض نفقة شهرية لها ولابنتها.

وفي 2011، نشرت رشيدة داتي كتابًا يحمل عنوان فيلم مباك وزهرة، حيث شاركت قراءها تفاصيل من حياتها ومسيرتها المهنية والشخصية، ليكون شاهداً على مسيرتها السياسية والعملية.

رشيدة داتي وزيارة ماكرون للمغرب: تعزيز الروابط الثقافية والسياسية

في ضوء زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، تزداد أهمية دور شخصيات فرنسية مغربية مثل رشيدة داتي في تعزيز العلاقات الثنائية. تمتلك داتي القدرة على الجمع بين فكرين وثقافتين، مما يجعلها خيارًا ملائمًا للمساهمة في تحسين العلاقات السياسية والثقافية بين البلدين. وباعتبارها أول وزيرة عدل من أصول مغاربية في فرنسا، ووزيرة الثقافة حاليا. و تُعتبر داتي رمزًا للتكامل والتعايش بين فرنسا والمغرب، ومن المتوقع أن تلعب دورًا هامًا في هذه الديناميكية الجديدة بين البلدين.

قد تكون زيارة ماكرون فرصة جديدة لداتي لتسليط الضوء على الروابط التي تجمعها ببلد أجدادها والمساهمة في إيجاد أرضية مشتركة للحوار بين فرنسا والمغرب في العديد من القضايا الملحة، مثل التعليم والثقافة والاقتصاد. ففي ظل الأزمات الدولية المتجددة، تبقى العلاقات بين البلدين بحاجة لشخصيات كرشيدة داتي تكون حلقة وصل تعزز التعاون وتدعم المصالح المشتركة.

خاتمة

رشيدة داتي، بفضل خلفيتها المزدوجة الفرنسية والمغربية، هي مثال للنجاح والشجاعة في الساحة السياسية الفرنسية. ومن خلال منصبها الجديد كوزيرة للثقافة في حكومة غابرييل أتال، تظل داتي في موقع استراتيجي يمكنها من تعزيز العلاقات بين فرنسا والمغرب، خاصة في ظل زيارة الرئيس ماكرون للرباط. يعكس صعودها السياسي إمكانية بناء جسور قوية بين الثقافات والأمم، ويجعل منها شخصية لا يمكن تجاهلها في المستقبل السياسي بين البلدين.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا