انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
ثقافة وفنون

“دكة مكة”.. غصة في حلق الإنسانية

بقلم: مريم أبوري*

تأخذنا رواية “دكة مكة” إلى عالم الرق والعبودية، لو لم يخبرنا الكاتب أن أحداثها تمر بين سنتي 1950 و1975، لاعتقد القارئ أنها في مرحلة تاريخية بعيدة جدا عن زماننا. أحداث واقعية حكيت بالخيال، حكاية من حكايات عبيد وإماء وجواري داخل قصور حكام وأمراء السعودية.

حكاية تبدأ من دكة بيع الرق بمكة، وليست بعيدة عن البيت الحرام حيث تضفي الشرعية الدينية على هذه التجارة بالبشر.  حكاية طفلة فرنسية ” ماكينزي” ذات الثماني سنوات، اختطفت من ديارها وسيقت إلى مكة في سوق النخاسة. طفلة جنى عليها جمالها ولم يشفع صغر سنها لدى الأمير الذي سيغتصبها بوحشية، قتل طفولتها ودمر جسدها الصغير، ووصل بها طريق العذاب إلى حريم زوجته حيث شوهت وجهها الجميل.

والشخصية الثانية هي لعبد ابن عبد وأمة ” جميل”،  ستجعل منه طليقة  الأمير وسيلة للانتقام منه، في أول الأمر بخيانتها له معه وبعد ذلك أن تصنع منه أميرا وجسرا  لاستيلاء  أبيها  على الحكم.
الرواية وثيقة تؤرخ  تفاصيل تجريد العبيد من إنسانيتهم  وكرامتهم، حكاية اختلاط الجنس بالسياسة بالخداع  والمجون .
حكاية خرجت  تفاصيلها الموثقة بالصور من قبو التعذيب بفضل “ماكينزي” رمز الحرية التي لم تتنازل عليها في دواخلها، وإن أجبر  جسدها على الرق و شوه  وجهها، بقيت حرة  الروح إلى أن كانت سببا في فرض بريطانيا على السعودية  سن قانون  يجرم تجارة الرق.
رواية تعري لنا تاريخنا البعيد والقريب كذلك، تعري المآسي التي تجرعتها نفوس وقلوب وأرواح بشر لم يعترف لهم بإنسانيتهم و ظلوا عبيدا و إماء و جواري إلى حدود أواسط القرن العشرين.

رواية كتبها الكاتب العراقي  زيد عمران بأسلوب جميل وسرد ممتع ومؤلم في نفس الوقت، فما أن تبدأ قراءتها لا يمكن أن  تتركها إلا وقد أنهيتها، فلا تستطيع أن تضعها، تبقيها في حضنك، صدمة بما حكي لك، و رغبة منك أن تعوض ماكينزي بعض مما سلب منها. لكنك تتذكر أنها ماتت في مستشفى بلندن جراء إصاباتها الخطيرة بعد التعذيب الذي عاشته. تعذيب يبدأ من الدكة بعد أن تهاتف عليها النخاسون.
تترك الرواية في حلقك غصة يمتزج فيها الخوف والخجل..الخوف من كل هذه التفاصيل لاغتصاب  حياة الناس، والخجل أن كل هذا ينتهك بسبب موروثنا  الديني.

* كاتبة مغربية مقيمة بفرنسا

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا