انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

مليكة مستظرف: الصوت الجريء الذي صرخ في “ترانت سيس” العالم..

بقلم: محمد خلفوف

في ذكرى وفاة الكاتبة المغربية مليكة مستظرف سنة 2006، بعد معاناة مع مرض عضال قاومته بصمود وصبر وقوة إرادة لافتة، يستحضر الكاتب محمد خلفوف مشكورا المسار المؤلم لهذه المبدعة المتفردة، التي للأسف نالها التهميش في حياتها ومماتها…

 

“تحملين موتك بين يديك” هذا ما قاله الكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف للراحلة مليكة مستظرف. مليكة: صاحبة الجسد الأسمر النحيل الذي أنهكه مرض الفشل الكلوي، بوجهها المبتسم البشوش على الدوام رغم “جراح الجسد والروح”، استطاعت، في وقت قصيرـ مقارنة مع الكثير من كاتبات جيلهاـ أن تصبح واحدة من أهم الكاتبات المغربيات، رغم قلة إصداراتها، وانحصارها في عملين وحيدين: مجموعة قصصية ورواية.

أتاحت لي دراستي في ماستر الكتابة النسائية في المغرب هذا العام فرصة كبيرة لاكتشاف نصوص الراحلة مليكة مستظرف، وتقديم دراستين مكثفتين حول عمليها القصصي والروائي، إذ وقفتُ مذهولاً أمام العالم الأدبي لمليكة مستظرف؛ هذا العالم الأسود، المليء بالأسى والعنف والقسوة. عالم جسدت من خلاله مليكة مستظرف الألمَ الجسدي والنفسي الذي تعيشه شخصياتها، وهو نفس الألم الذي اشتركت فيه الراحلة مع شخصياتها بنفس القدر.

مليكة مستظرف… سيرة غير مكتملة..

مليكة مستظرف من مواليد الدار البيضاء 1969. لا نعرف أي شيء عن نشأتها وتعليمها، سوى أنها ابنة تاجر كبير، وأنها عانت من عنفه وقسوته طويلاً، بالإضافة إلى كونها تعرضت لاعتداء جنسي من قبل أحد أقربائها وهي طفلة. هذان العاملان كان لهما أثر واضح على أعمالها، إذ نجد في كل نص لمليكة علاقةً مضطربة تجمع الأب بابنته أو بابنه، والذي تحقق في ذروته في روايتها” جراح الروح والجسد”، التي تطرقت فيها بشكل صريح ومؤلم لتجربتها مع الاغتصاب.

بدأت مليكة الكتابة في وقت مبكر، وبدأت النشر في الجرائد الوطنية والعربية، لكنها كانت أنشط من خلال المنتديات الثقافية الإلكترونية التي ظهرت في نهاية التسعينيات وبداية الألفية، حيث وجدت فضاءً مريحاً، وأكثر تقبلاً لكتاباتها الفريدة والجريئة، كونت من خلاله الكثيرَ من الصداقات المتعددة مع كتّاب مغاربة وعرب، أحبوها وساندوها وشجعوها على الكتابة، بعيداً عن الدوائر الثقافية الرسمية الممتلئة بالرؤوس الكبيرة.

على الرغم من موهبة مليكة، وفرادة أسلوبها، وحبّ الناس لها، إلا أن نهايتها كانت محزنة؛ فقد توفيت نتيجة مضاعفات مرض القصور الكلوي الذي لازمها طويلاً، وقد طرقت الأبواب وناضلت وتوسلت لأجل العلاج، ولكن لم يستجب أحد لندائها، وظلت الراحلة تسير حاملةً موتها معها في كل مكان. هي التي اعتُبرتْ طويلاً صوتاً جريئاً ومقلقاً ومزعجاً يجب إسكاته، وبرغم الاستجابة لملكية في النهاية إلا أن ملفها الطبي وجواز سفرها اختفيا بطريقة غامضة، فقالت إن “الإنسان غير المسنود رخيص”، وكانت النهاية المميتة والأشد من الموت أن تنكّر لها اتحاد كتاب المغرب، وألغى عضويتها وكأنها لم تكن يوماً كاتبة مغربية، بل ربما أهم الكاتبات المغربيات، لترحل وسط صدمة وعجز الكتاب المغاربة عام 2006 عن عمر 36، حاملة معها الكثير من الأحزان والآلام والأحلام.

مليكة وزفزاف… علاقة المعلم بالتلميذة النجيبة..

جمعت مليكة مستظرف علاقةٌ وطيدة بالكاتب المغربي الراحل محمد زفزاف. مليكة كانت تقطن في نفس الحي (حي المعاريف) الذي يقطنه محمد زفزاف. كانت تراه وهو يسير بتؤدة، يوزع ابتسامته على أطفال الحي، وكانت مليكة واحدة منهم، ولم تعرف أنها سترعى في ما بعد، الراحلَ في آخر أيامه. فحين علمتْ بإصابته بمرض سرطان الحنجرة، ذهبت إليه من منطلق الإنسانية وحسن الجوار لترعاه وتنظف منزله وترتب أوراقه وكتبه وتستقبل زواره. مليكة كانت معجبة بزفزاف، قرأت كتبه، ورافقته إلى حصص العلاج الكيميائي، دون علم منه بأنها تكتب. حتى إنها عرضت عليه مخطوطة لروايتها لتأخذ رأيه فيها، لكنه قابلها بالصراخ والطرد.

وبرغم هذا الموقف القاسي من زفزاف إلا أن حب وتعلق مليكة به لم يتغير، بل ظلّ بمثابة الأب بالنسبة لها، وكانت هي بمثابة الابنة بالنسبة له، بعد أن تخلى عنه الكثيرون في أواخر أيامه. وهذه العلاقة الوطيدة انتقلت إلى عالم الكتابة، إذ نلحظ تأثراً واضحاً بزفزاف في أعمال مليكة، من حيث اللغة والشخوص والأمكنة والتيمات، مع وضع اختلاف جنس الكاتبين في الاعتبار. فتجربة مليكة تشبه إلى حد كبير تجربة محمد زفزاف: اليتم، الطفولة الصعبة، التهميش، وتجربة المرض والموت التي عاشاها في أواخر حياتهما، وهي التجربة التي عمقت رؤيتهما الوجودية ونظرتهما للحياة والموت والله والعالم، بحيث لم يعودا يخافان الموت، بل اعتبراه جزءاً منهما، الموت النفسي وليس الجسدي فقط، وقد كتبت مليكة قصةً عن الموت، التيمة الأكثر تكرراً في أعمالها.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا