انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
أخبار بسمة

 دار آيلة للسقوط

بقلم: سميرة مغداد

تذكرت أغنية ناس الغيوان هذا الصباح اغنية جميلة محفزة على الكرامة والشهامة “ماهموني غير الرجال إلى ضاعوا الحيوط إلي رابوا كلها يبني دار”.

البناء والتشييد له معاني كثيرة ،وبناء الإنسان أهم بكثير من بناء الدار وصياغة الاسمنت .عبرت في موضوع سابق عن حبي للمنازل الصغيرة الحميمية التي تخفي الدفء وأسرار الحياة ، تماما مثل المنزل الصغير الذي كنا نشاهده على قناتنا الأولى الوحيدة، ونلتف حوله لنتابع أطوار حياة عائلة أمريكية فلاحة تتغذى على المحبة والتضامن والتآزر .المنزل عالمك الخاص الذي يحمي جسدك وروحك ويحفظ إغراضك وأشيائك الخاصة ، لكنك قد تملك بيتا ولا تملك روحا جميلة داخله. زرت بيوتا كثيرة في حياتي وذاكرتي مليئة ببيوت صغيرة جدا، لكنها عامرة بالعطاء تحتويك وكأنك فرد منها ، بينما بيوت فارهة لا حس فيها ولاروح . كنت احب زيارة بيت قريب من العائلة في حومة الدارالبيضاء بطنجة وبيت قريب أخر في جامع المقراع وبيت اعزيبو في المصلى. بيوت لا تتجاوز أمتارا معدودة، لكنها رحبة في الاستقبال والعطاء ومرتبة آية في الأناقة ، اني اذكر بيت أمل قشريين صديقتي أيام الصبا في حومة بلجيكا ، كنت كلما ذهبت عندها وصادفت  رائحة الحريرة التي تعدها جدتها القصراوية بمهارة ، لا تدعني اخرج إلا بعد أن أذوق من الحريرة. كانت  جدتها تردد من مطبخها “خلي صاحبتك تتسنى شويش هي عاتق وشمات ريحة الحريرة تشربها وعاد تمشي فين مابغات”.

أتذكر بيت خالي بالحسيمة الذي يفيض برائحة الخبز الطري والنظافة واعتناء زوجة خالي بي .مثل هؤلاء الناس تملأ البيوت فعلا وتجعل لها روحا جميلة..

لا أذكر البيوت بجمالها بل بلطف وعطاء وشهامة قاطنيها. تعرفت منذ أكثر من 10 سنوات على وفاء بناني زميلة مهنة المتاعب وزوجة الراحل حسن ميكري، ومن خلالها زرت البيت آل ميكري الذي كنت أسمع عنه كثيرا، فوجئت منذ الوهلة الأولى  أنه منزل صغير جدا قد لا يستوعب أكثر من شخصين، لكنه بيت زاخر بالكرم والجود والأناقة والفن. .

أحببت البيت بفضل موقعه المطل على فضاء مائي مريح، ولكن أيضا بفضل صديقتي وفاء وروحه الجميلة التي تسكنها  الموسيقى والروح الراقية. كان حسن رحمه الله مضيافا، له طقوس زاهد  متعبد ،يقضي جل وقته يرسم أو يقرأ القرآن أو يكتب .للبيت فعلا روح أو أرواحا تسكنه كما كان يعتقد دائما حسن وحتى محمود .من ذالك البيت المطل على البحر والوادي ،نسجت حياة فنانين  شكلوا ضمن فنانين أصيلين آخرين ذاكرة المغرب الثقافية، للأسف كثير منا لا يعترف بأهمية المكان والزمان ولا يريد ان تكون لهما ذاكرة بيت ميكري في لوداية سيظل بيتهم حتى لو أفرغوا منه بقوة القانون، صيتهم لن يمحوه التاريخ أبدا ..

قد تسقط الدار وتعاد وتبنى بشكل أخر ولأغراض اخرى، لكن سقوط البيت لا يعني سقوط الذاكرة الميكرية. اسمهم لن يضيع ولو ضاعت الدار.

خوفي على ابن صديقتي الشاب الطيب نصر ميكري الذي عاش في محراب الميكريين واستنسخ شخصية فنية تحاول أن تسير على خطى والده وأعمامه..

الحب والفخر يحركان نصر، وهو ابن أصيل أراد ان يخلص للماضي العتيد حاملا رهافة الأحاسيس  التي يغذيها الفن والحب.

حان الوقت لتغير النظر وتنظر الى المستقبل بنفس اخر  يانصر، قد يسقط البيت لكن الأهم أن لا تسقط أنت قرة عين والدتك الكريمة الرائعة الناضحة بالوفاء والحب لك. ستبني نفسك من جديد، حتى لو سقطت الدار فأنتم أهل الدار دائما وابدأ بقوة القلب. ارحل حيث الحب والوفاء لتبني مسارك من جديد وتشيده عاليا.

انتبهوا أيها المتنمرون  للسقوط  المحتمل للإنسان. كفكفوا الدموع وأوقدوا الشموع.

والله يرحم عليها الغيوان “ماهموني غير الرجال الى ضاعوا”.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا