حمادي عمور يغادر الحياة بعد مسار فني حافل بالعطاء ومعاناة مريرة مع المرض

توفي الممثل المغربي حمادي عمور، في ساعة مبكرة من فجر اليوم السبت 15 مايو 2021، بإحدى المصحات الخاصة بمدينة الدار البيضاء، عن عمر ناهز الـ91 عاما جراء معاناته من المرض.
وحسب الإعلامي محمد الغيذاني فإن حمادي عمور، يعد واحدا من الفنانين المنحدرين من مدينة فاس، ازداد بها سنة 1931، تنوعت تجربته بين الإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما، أطلق مساره الفني سنة 1948، رفقة مسرح الهواة حين جسد أول دور في العمل المسرحي “أنا القاتل”، ليقدم في ما بعد مجموعة من الأعمال في الحقل المسرحي.
ويضيف الغيداني في كتابيه “للإذاعة المغربية.. أعلام”، و“للتلفزة المغربية.. أعلام”، أسس عمور سنة 1951، فرقة ”المنار” المسرحية بالدار البيضاء، وقدم في إطارها عددا من العروض. وقد تجاوز عدد الأعمال التي شارك فيها 580 عملا فنيا، من بينها أشرطة تلفزيونية ومسلسلات إذاعية وتلفزيونية، اشتغل فيها إلى جانب نخبة من ألمع الفنانين المغاربة، ومن بين الأعمال التلفزيونية التي شارك فيها حمادي عمور مسلسل “رحيمو” وسيتكومي ”الربيب” و”العوني”.
سافر الفنان حمادي عمور إلى القاهرة من أجل دراسة الفن، والتحق بالمعهد العالي للفن المسرحي، ولكن الأحداث التي عرفتها مصر آنذاك والتي تمت فيها الاطاحة بالملك فاروق، اضطر معها العودة إلى المغرب، والالتحاق للعمل بالإذاعة، حيث انكب على المشاركة في عدد من الأعمال التمثيلية لفرقة التمثيل الإذاعي برئاسة الأستاذ عبد الله شقرون، حيث كان المستمعون ينتظرون هذه الأعمال التمثيلية مرتين في الأسبوع ليلتي الخميس والأحد. أما عن مشاركاته في البرامج الإذاعية، فقد قدم حمادي عمور أول حلقة من برنامج “عالم الفنون” على أمواج راديو المغرب سنة 1951، وكان البرنامج يهتم بالشؤون الفنية في المغرب والمشرق، وقد عمر هذا البرنامج مدة طويلة حيث استمر في تقديمه إلى حدود 1961، ومن بين الشخصيات السينمائية التي حلت ضيفا على البرنامج الفنان كمال الشناوي، الذي زار المغرب للمشاركة في الفيلم السينمائي “دكتور بالعافية” وقد شاركه في التمثيل حمادي عمور ومجموعة أخرى من الفنانين المغاربة والمصريين، وقد صورت كل أحداثه بمدينة الرباط سنة 1953.
وحينما زار الموسيقار العربي فريد الأطرش المغرب خلال فترة الخمسينيات، كان حمادي عمور الإعلامي الوحيد الذي استطاع، أن يجري معه حوارا مطولا على أثير الإذاعة المغربية، ومن ضمن الأسئلة التي وجهها له حين ذاك: “سمعناك تغني آخر كذبة ولا نريد أن نسمع منك أن زيارتك للمغرب هاته هي آخر زيارة”، أجابه فريد الأطرش بأنه استقدم معه الكوميدي إلياس مؤدب، لكي يضحك عليه الجمهور المغربي.. وقد خان التعبير فريد الأطرش، فصحح له حمادي عمور تعبيره قائلا: “نريد أن يُضحك الجمهور المغربي”. وقد كان برنامج عالم الفنون يقدم كل أربعاء من التاسعة إلى التاسعة والنصف ليلا. اهتم حمادي عمور بتأليف عدد من الأغاني التي أداها مطربون مغاربة منهم، محمد الإدريسي والمعطي بن قاسم، ومن بين ما غنى له المعطي بنقاسم: “عذبتي قلبي” و”بنت الجيران” و”يا قلبي هذي والتوبة” وهي من تلحين عبد الرحيم السقاط، أما محمد الإدريسي فقد غنى له أغنية ”يا زهرة جيبي الصينية” وهي من تلحين محمد بنعبد السلام، بالإضافة لمجموعة من الأعمال الفنية الوطنية بمناسبة أعياد الشباب والعرش.
وبالإضافة إلى المجالين الإذاعي والتلفزيوني اشتغل حمادي عمور في الحقل السينمائي وتقمص أدوارا متعددة في أفلام سينمائية كثيرة من بينها “كيد النسا” رفقة الفنانين رشيد الوالي وسامية أقريو. عرفت السينما المغربية تجربة دبلجة الأفلام السينمائية الدولية خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، شاهد خلالها المغاربة أفلاما عالمية وجدت في الدارجة القناة التواصلية نحو المتلقي المغربي، أفلاما فرنسية وأمريكية كانت المعبر الأولي إلى هذا المشاهد، قبل أن تتخصص عملية الدبلجة في الأفلام الهندية، أبطالها ممثلون كبار من حجم عبد الرزاق حكم والعربي الدغمي، وبعض ممثلي الإذاعة الوطنية وبعض أعضاء فرقة المعمورة.
أسماء كبيرة ومدارس سينمائية مختلفة وصل صداها إلى المشاهد المغربي من خلال عمل رجل اسمه إبراهيم السايح الذي انخرط بكثير من العمل والاجتهاد في دوامة ومسار “دبلجة” الأفلام الأجنبية. حمادي عمور أحد من عايشوا اللحظات الأولى لدبلجة الأعمال السينمائية، نبش في ذاكرته رفقة إبراهيم السايح بالقول “لم أشتغل مع السايح في الأفلام الهندية، وإنما عملت معه سنة 1955، في دبلجة فيلم “san san la tulipe”، وأتذكر أنني انتقلت رفقة أحمد الطيب لعلج وحميدو بنمسعود والطيب الصديقي إلى باريس للقيام بالدبلجة، ولا زلت أتذكر أننا قمنا بعملية الدبلجة في الظلام، لحظة بث العمل، كانت الآليات بسيطة، ولكن الطموح كان كبيرا”. وعن مردودية مشاركته في دبلجة هذا العمل السينمائي، قال حمادي عمور: “هذه الذكريات تعود إلى عقود خلت، ومن الصعب تحديد ذلك، ولكن ما يمكن قوله هو أننا حظينا بإقامة متميزة في باريس، ووفرت لنا كل شروط الراحة، ومن جهة أخرى كان الحرص على إخراج عمل يكون في مستوى تطلعات الجمهور المغربي”.