انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
ثقافة وفنون

“شارع مالقا” مريم التوزاني تسرق الأضواء خارج المسابقة

مراكش/ عزيزة حلاق

صور: زليخة

 

قليلة هي تلك الأفلام التي، حين تشاهدها في قاعة السينما، ترافقك إلى الخارج، تظل عالقة بك، تسيطر على تفكيرك، وتنعش عواطفك، وتحملك نحو حلم جميل. هذا تمامًا ما شعرتُ به وأنا أغادر قاعة الوزراء بقصر المؤتمرات، بعد مشاهدة فيلم “شارع مالقا” للمخرجة المغربية المبدعة مريم التوزاني.

خرج الجمهور وكأنه يغادر تجربة إنسانية استثنائية، لا مجرد عرض سينمائي. دقائق من التصفيق الحار، جمهور واقف بكامله تحية للمخرجة، ونقاشات استمرت عند باب القاعة وامتدت إلى خارجها… هكذا استُقبل “شارع مالقا”. ورغم عرضه خارج المسابقة الرسمية ضمن فعاليات مهرجان الفيلم الدولي بمراكش، إلا أنه خطف الأضواء وكأن الجوائز وُجدت لأجله.

سبق لي أن تابعت جميع أعمال التوزاني السابقة، غير أن ما شاهدناه اليوم ينتمي إلى مستوى سينمائي مختلف… أرقى وأعمق. ربما لأن الفيلم يستحضر جزءًا من حياتها وذكرياتها.

الفيلم مُهدى إلى روح جدتها الإسبانية، ويروي حكاية ماريا أنخليس، سيدة في التاسعة والسبعين من عمرها، تعيش وحيدة في طنجة، المدينة التي أبصرت فيها النور، بشارع مالقا وسط حي شعبي. تمضي أيامها متشبثة بتفاصيل حياتها اليومية بين جيران بسطاء، كما لو أنها جزء من نبض المكان.

غير أن حياتها، التي تجسدها بإبداع كبير الممثلة الإسبانية كارمن ماورا، تنقلب رأسًا على عقب دون سابق إنذار، عندما تصل ابنتها كلارا (مارتا إيتورا) من مدريد بهدف بيع الشقة التي كتبها والدها باسمها. صدمة ماريا ستكون أقسى حين تخيّرها الابنة بين خيارين لا ثالث لهما: العيش معها في إسبانيا أو الانتقال إلى دار العجزة.

تضعها أمام الأمر الواقع، وتبدأ إجراءات البيع، انطلاقًا من أثاث المنزل، قبل أن تنقل والدتها إلى دار العجزة وترحل. غير أن ماريا تقرّر المقاومة، تتشبث بالمدينة التي شكّلت ملامحها الأولى، وتبذل كل ما في وسعها للاحتفاظ بمنزلها واسترجاع مقتنيات عمرها من تاجر تحف كان قد اشتراها من الابنة. هذا الأخير يتعاطف معها، لتتحول العلاقة بينهما إلى حب جارِف، يزهر رغم العمر، وجسّده بألق لافت المخرج والممثل المغربي أحمد بولان.

وبفكرة مبتكرة تحفظ كرامتها وتضمن لها مصدر دخل، تفتح ماريا منزلها لعشاق كرة القدم الإسبانية لمتابعة مباريات ريال مدريد وبرشلونة، مع تقديم وجبات بسيطة وبيرة… وكأنها تقول، بجرأة هادئة، إن الحياة مهما اشتدت قسوتها تمنح فرصة ثانية لمن يؤمن بها، وأن الحب حين يأتي، لا يعترف بالعمر ولا بالزمن.

الفيلم جمع كل عناصر النجاح: أداء استثنائي للممثلين، سيناريو محكم، وصورة بصرية شاعرية تتناغم مع روح المدينة وأزقتها، وإخراج يحمل توقيع مريم التوزاني بحساسية عالية ورؤية سينمائية ناضجة وصدق فني نادر.

كانت كلمة المخرجة مؤثرة للغاية وهي تستحضر روح جدتها ووالدتها التي فقدتها قبل ثلاث سنوات. تحدثت بعفوية عن كيف تحول هذا الفيلم، الذي اشتغلت عليه بتماهٍ عاطفي عميق مع علاقتهما بها، إلى وسيلة للتداوي ومنفذ للخروج من الحزن. وأشارت إلى أن السند الأكبر في رحلتها لتجاوز الفقد كان زوجها، المخرج نبيل عيوش، الذي دعمها إنسانياً وفنياً، وأحاط الفيلم بإنتاج رفيع المستوى، حوّل لحظة الضعف إلى قوة، والذاكرة إلى عمل سينمائي نابض بالحياة.

وفي لحظة عفوية أمام الجمهور وعدسات المصورين، لم تتردد في التعبير عن امتنانها وحبها لزوجها بتبادل قبلة وثقتها كاميرات وعدسات المصورين، اختزلت ما لم تقله الكلمات. لحظة صادقة أكدت أن هذا الثنائي السينمائي الأبرز في المغرب يعرف كيف يحوّل الألم إلى إبداع، والحب إلى طاقة خلاقة.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا