انضموا لنا سيسعدنا تواجدكم معنا

انضمام
حديث بسمة

جيل Z.. الحجرة التي حرّكت البركة الآسنة..

لم يكن ما شهده المغرب في الأسابيع الأخيرة، مجرد احتجاجات عابرة أو نزوة رقمية لجيل يعيش في العالم الافتراضي. ما حدث كان أعمق من ذلك بكثير. لقد ألقى جيل Z بحجرٍ في بركةٍ آسنة، فحرّك ما ظنّ الكثيرون أنه مات من زمن: النقاش، الوعي، والإحساس بالمسؤولية الجماعية.

جيلٌ وُلد وسط تحوّلات كبرى، تربّى على لغة الصورة، وتعلّم السياسة من الواقع لا من الخطب. لم ينتظر توجيهات، ولم يحتج إلى وسطاء. خرج ببساطة، بلا حزب وبلا إطار تنظيمي، لكنه حمل في صوته وجع جيلٍ كامل، سئم من التناقضات، ومن وعود لا تتحقق، ومن واقعٍ يسير بسرعتين: سرعة الامتيازات القليلة، وسرعة الإقصاء الواسعة.

جيل لا يشبه من قبله، جيل Z ليس استمرارًا لما كان، بل انعطافة في الوعي الجمعي. جيلٌ لا يُخيفه الفراغ، ولا تغريه لغة الخطاب الخشبي. يعيش حراً، يتواصل بلا وسائط، ويعبّر بلغته الخاصة، لغة مختصرة، لكنها صادقة، جارحة أحيانًا، ومباشرة دائمًا.

وحين قرّر أن يخرج إلى الشارع، لم يكن ليُسقط نظامًا أو يطالب بسلطة، بل ليقول: نحن هنا… نرى، ونفهم، ونرفض الصمت.

ما يلفت في هذه الانتفاضة، أن التفاعل الشعبي تجاوز كل التوقعات. لم يقف المغاربة عند حدود المتابعة، بل وجدوا أنفسهم، فجأة، منخرطين في النقاش، مستعيدين حسّ الانتماء.

لقد شعر الناس أن شيئًا حقيقيًا يحدث، وأن هذا الجيل الذي اتُّهم طويلاً باللامبالاة، يذكّر الكل بأن الكرامة لا تسقط بالتقادم.

الآباء تابعوا أبناءهم بدهشة، والأساتذة رأوا في تلاميذهم ما لم تزرعه المدرسة منذ عقود: الوعي والمبادرة.

ولعل أحد أكثر مكاسب هذه اللحظة وضوحًا، هو سقوط أقنعة كثيرة. فقد انكشف عجز الإعلام السائد، وتعرّى سطح الخطاب الذي ظل يُغذّي الناس بمواد تافهة تصرفهم عن جوهر قضاياهم.

لقد جاء جيل Z ليقول ما لم تقله البرامج والنشرات: نريد إعلامًا يحترم عقولنا، لا يبيع لنا التفاهة و الالهاء والفراغ.

قد يختلف الناس في تقييم ما حدث، لكن أحدًا لا يمكنه إنكار أن المغرب بعد انتفاضة جيل Z لن يكون كما قبلها.

لقد تحرك شيء في الوعي الجمعي. عاد السؤال، وعادت الرغبة في الفهم، وفي المطالبة بالحق المشروع في وطنٍ أعدل وأكثر إنصافًا.

جيل Z لا يبحث عن بطولة، ولا ينتظر اعترافًا رسميًا. إنه فقط يريد أن يعيش بكرامة، في بلد يسمع صوته.

ربما كانت تلك “الحجرة” التي ألقاها الشباب في المياه الراكدة، بداية زمن جديد، زمن لا يُقاس فيه التغيير بعدد الشعارات، بل بجرأة طرح الأسئلة. و ربما كان أجمل ما فعله جيل Z، أنه ذكّرنا بأننا لم نفقد الأمل بعد.

ففي لحظة بدا فيها كل شيء جامدًا، أعاد إلينا هذا الجيل الإحساس بالحياة. لم يطلب المستحيل، بل طالب بما هو بديهي: أن يُسمع صوته، وأن يُحترم عقله، وأن يُعترف بوجوده.

جيل Z لم يخرج فقط إلى الشارع، بل أخرجنا جميعًا من صمتٍ طويل… إلى نقاشٍ ما زال مفتوحًا على الأمل.

اظهر المزيد

عزيزة حلاق

مديرة مجلة بسمة نسائية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

تم اكتشاف Adblock المرجو وضع مجلة بسمة في القائمة البيضاء نحن نعول على ايرادات الاعلانات لاستمرارية سير المجلة. شكرا